فصل: الفصل الثاني في نسخ الأيمان المتعلقة بالملوك

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **


  الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة الثامنة في نسخ الأيمان المتعلقة بالملوك

وفيه خمسة مهايع‏:‏ المهيع الأول في بيان الأيمان التي يحلف بها المسلمون وهي على نوعين النوع الأول من الأيمان التي يحلف بها المسلمون أيمان أهل السنة وهي اليمين العامة التي يحلف بها أهل الدولة‏:‏ من الأمراء والوزراء والنواب ومن يجري مجراهم‏.‏

وهذه نسخة يمين أورده في ‏"‏ التعريف ‏"‏ وهي‏:‏ أقول وأنا فلان‏:‏ والله والله والله وبالله وبالله وبالله وتالله وتالله وتالله والله العظيم الذي لا إله إلا هو الباريء الرحمن الرحيم عالم الغيب والشهادة والسر والعلانية وما تخفي الصدور القائم على كل نفس بما كسبت والمجازي لها بما عملت وحق جلال الله وقدرة الله وعظمة الله وكبرياء الله وسائر أسماء الله الحسنى وصفاته العليا إنني من وقتي هذا وما مد الله في عمري قد أخلصت نيتي ولا أزال مجتهداً في إخلاصها وأصفيت طويتي ولا أزال مجتهداً في إصفائها في طاعة مولانا السلطان فلان الفلاني - خلد الله ملكه - وخدمته محبته وامتثال مراسيمه والعمل بأوامره وإنني والله العظيم حرب لمن حاربه سلم لمن سالمه عدو لمن عاداه ولي لمن والاه من سائر الناس أجمعين وإنني والله العظيم لا أضمر لمولانا السلطان فلان سوءاً ولا غدراً ولا خديعة ولا مكراً ولا خيانة في نفس ولا مال ولا سلطنة ولا قلاع ولا حصون ولا بلاد ولا غير ذلك ولا أسعى في تفريق كلمة حد من أمرائه ولا مماليكه ولا عساكره ولا أجناده ولا عربانه ولا تركمانه ولا أكراده ولا استمالة طائفة منهم لغيره ولا أوافق على ذلك بقول ولا فعل ولا نية ولا بمكاتبة ولا مراسلة ولا إشارة ولا رمز ولا كناية ولا تصريح وإن جاءني كتاب من أحد من خلق الله تعالى بما فيه مضرة على مولانا السلطان أو أهل دولته لا أعمل به ولا أصغى إليه وأحمل الكتاب إلى ما بين يديه الشريفتين هو ومن أحضره إن قدرت على إمساكه‏.‏

وإنني والله العظيم أفي لمولانا السلطان بهذه اليمين من أولها إلى آخرها لا أنقضها ولا شيئاً منها ولا أستثني فيها ولا في شيء منها ولا أخالف شرطاً من شروطها ومتى خالفتها أو شيئاً منها أو نقضتها أو شيئاً منها أو استثنيت فيها أو في شيء منها طلباً لنقضها فكل ما أمله‏:‏ من صامت وناطق صدقة على الفقراء والمساكين وكل زوجة في عقد نكاحه أو يتزوجها في المستقبل فهي طالق ثلاثاً بتاتاً على المذاهب وكل عبيدي وإمائي أحرار لوجه الله وعليه الحج إلى بيت الله الحرام بمكة المعظمة والوقوف بعرفة ثلاثين حجة متواليات متتابعات كوامل حافياً ماشياً وعليه صوم الدهر كله إلا المنهي عنه وعله أن يفك ألف رقبة مؤمنة من أسر الكفار ويكون بريئاً من الله تعالى ومن رسوله صلى الله عليه وسلم ومن دين الإسلام إن خالفت هذه اليمين أو شرطاً من شروطها‏.‏

وهذه اليمين يميني وأنا فلان والنية فيها بأسرها نية مولانا السلطان فلان ونية مستحلفي له بها لا نية لي ف باطني وظاهري سواها أشهد الله علي بذلك وكفى بالله شهيداً والله على ما أقول وكيل‏.‏

قلت‏:‏ عجيب من المقر الشهابي رحمه الله ما أتى به في نسخة هذه اليمين فإنه أتى بها بلفظ التكلم إلى قوله‏:‏ ‏"‏ وكل زوجة ‏"‏ فعدل عن التكلم إلى الغيبة وقال في نكاحه وكذلك ما بعده إلى قوله ‏"‏ من أسر الكفار ويكون بريئاً من الله ومن رسوله صلى الله عليه وسلم إن خالفت هذه اليمين ‏"‏ وأتى بصيغة التكلم إلى آخر الكلام‏.‏

فأن كان فر في قوله‏:‏ ‏"‏ وكل زوجة في نكاحه ‏"‏ خوفاً من أن يقول ‏"‏ في نكاحي ‏"‏ فتطلق زوجته هو فلا وجه له‏:‏ لأن الحاكي لا يقع عليه الطلاق وكذا ما بعده من العتق وغيره‏.‏

وأعجب من ذلك كله قوله‏:‏ ويكون بريئاً من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ومن دين الإسلام إن خالفت فجمع بين الغيبة والتكلم في حالة واحدة‏!‏‏!‏‏.‏

على أن ما ذكره بلفظ الغيبة إنما هو فيما سطره في النسخة‏.‏

أما إذا كتبت اليمين التي يحلف بها فإنها لا تكون في الجميع إلا بلفظ التكلم فما المعنى في أنه خاف من الوقوع في المحذور عند حكاية القول ولم يخف مثل ذلك فيما يكتبه في نفس اليمين‏.‏

وقد ذكر صاحب ‏"‏ التثقيف ‏"‏ جميع ذلك بلفظ التكلم مع المخالفة في بعض الألفاظ وزيادة ونقص فيها‏.‏

وهذه نسختها وهي‏:‏ أقول وأنا فلان بن فلان‏:‏ والله والله والله وبالله وبالله وبالله وتالله وتالله وتالله والله الذي لا إله إلا هو الباريء الرحمن الرحيم عالم الغيب والشهادة والسر والعلانية وما تخف الصدور القائم على كل نفس بما كسبت والمجازي لها بما احتقبت وحق جلال الله وعظمة الله وقدرة الله وكبرياء الله وسائر أسماء الله الحسنى وصفاته العليا وحق القرآن الكريم ومن أنزله ومن أنزل عليه - إنني من وقتي هذا ومن ساعتي هذه وما مد الله في عمري قد أخلصت نيتي ولا أزال مجتهداً في إخلاصها وأصفيت طويتي ولا أزال مجتهداً في إصفائها - في طاعة السلطان الملك الفلاني فلان الدنيا والدين فلان - خلد الله ملكه - وفي خدمته ومحبته ونصحه وأكون ولياً لمن والاه عدواً لمن عاداه سلماً لمن سالمه حرباً لمن حاربه‏:‏ من سائر الناس أجمعين لا أضمر له سوءاً ولا مكراً ولا خديعة ولا خيانة في نفس ومال ولا ملك ولا سلطنة ولا عساكر ولا أجناد ولا عربان ولا تركمان ولا أكراد ولا غير ذلك ولا أسعى في تفريق كلمة أحد منهم عن طاعته الشريفة وإنني والله العظيم أبذل جهدي وطاقتي في طاعة مولانا السلطان الملك الفلاني فلان الدنيا والدين المشار إليه وإن كاتبني أحد من سائر الناس أجمعين بما فيه مضرة على ملكه لا أوافق على ذلك بقول ولا فعل ولا نية وإن قدرت على إمساك الذي جاءني بالكتاب أمسكته وأحضرته لمولانا السلطان الملك الفلاني المشار إليه أو النائب القريب مني‏.‏

وإنني والله العظيم أفي لمولانا السلطان المشار إليه بهذه اليمين من أولها إلى آخرها لا أستثني فيها ولا في شيء منها ولا أستفتي فيها ولا في شيء منها‏.‏

وإن خالفتها أو شيء منها أو استثنيت منها أو استفتيت طلباً لنقضها أو نقض شيء منها فيكون كل ما أملكه من صامت وناطق صدقة على الفقراء والمساكين من المسلمين وتكون كل زوجة في عقد نكاحي أو أتزوجها في المستقبل طالقاً ثلاثاً بتاتاً على سائر المذاهب وتكون كل أمة أو مملوك في ملكي الآن أو أملكه في المستقبل أحراراً لوجه الله تعالى ويلزمني ثلاثون حجة متواليات متتابعات حافياً حاسراً وعلي صوم الدهر بجملته إلا الأيام المنهي عن صومها‏.‏

وهذه اليمين يميني وأنا فلان بن فلان والنية في هذه اليمين بأسرها نية مولانا السلطان الملك الفلاني المشار إليه ونية مستحلفي له بها لا نية لي في غيرها ولا قصد لي في باطني وظاهري سواها‏.‏

أشهد الله علي بذلك وكفى بالله شهيداً والله على ما أقول وكيل‏.‏

قلت‏:‏ وربما كان للسلطان ولي عهد بالسلطنة فيقع التحليف للسلطان ولوله جميعاً وهي على نحو ما تقدم لا يتغير فيها إلا نقل الضمير من الإفراد إلى التثنية‏.‏

وهذه نسخة يمين حلف عليها العساكر للسلطان الملك المنصور ‏"‏ قلاوون ‏"‏ في سنة ثمان وسبعين وستمائة له ولولده ولي عهد الملك الصالح علاء الدين ‏"‏ علي ‏"‏ أوردها ابن المكرم في تذكرته وهي‏:‏ والله والله والله وبالله وبالله وبالله وتالله وتالله وتالله والله العظيم الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الطالب الغالب المدرك المهلك الضار النافع عالم الغيب والشهادة والسر والعلانية وما تخفي الصدور القائم على كل نفس بما كسبت والمجازي لها بما احتقبت وحق جلال الله وعزة الله وعظمة الله وسار أسماء الله الحسنى وصفاته العليا - إنني من وقتي هذا ومن ساعتي هذه وما مد الله في عمري قد أخلصت النية ولا أزال مجتهداً في إخلاصها وأصفيت طويتي ولا أزال مجتهداً في إصفائها في طاعة السلطان فلان وطاعة ولده ولي عهده فلان وخدمتهما وموالاتهما وامتثال مراسيمهما والعمل بأوامرهما‏.‏

وإنني والله العظيم حرب لمن حاربهما سلم لمن سالمهما عدو لمن عاداهما ولي لمن والاهما‏.‏

وإنني والله العظيم لا أسعى في أمر فيه مضرة على مولانا السلطان ولا في مضرة ولده في نفس ولا سلطنة ولا إستمالة لغيرهما ولا أوافق أحداً على ذلك بقول ولا فعل ولا مكاتبة ولا مشافهة ولا مراسلة ولا تصريح‏.‏

وإنني والله العظيم لا أدخر عن السلطان ولا عن ولده نصيحة في أمر من أمور ملكهما الشريف ولا أخفيها عن أحدهما وأن أعلمه بها في أقرب وقت يمكنني الإعلام له بها أو أعلم من يعلمه بها وأن الخ‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

النوع الثاني من الأيمان التي يحلف بها المسلمون أيمان أهل البدع الطائفة الأولى الخوارج وهم قوم ممن كانوا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حملوه على أن رضي بالتحكيم بينه وبين معاوية وأشاروا بإقامة أبي موسى الأشعري حكماً عن علي وإقامة عمر بن العاص حكماً عن معاوية فخدع عمرو أبا موسى‏:‏ بأن أتفق معه على أن يخلعا علياً ومعاوية جميعاً ويقيم المسلمون لهم خليفة ويختارونه فتقدم أبو موسى وأشهد من حضر أنه خلعهما فوافق عمرو على خلع علي ولم يخلع معاوية وبفي الأمر لمعاوية فأنكروا ذلك حينئذ ورفضوا التحكيم ومنعوا حكمه وكفروا علياً ومعاوية ومن كان معهما بصفين وقالوا‏:‏ لا حكم إلا لله ورسوله وخرجوا على علي فسموا الخوارج ثم فارقوه وذهبوا إلى النهروان فأقاموا هناك وكانوا أربعة آلاف غوغاء لا رأس لهم فذهب إليهم علي رضي الله عنه فقاتلهم فلم يفلت منهم سوى تسعة أنفس‏:‏ ذهب منهم اثنان إلى عمان واثنان إلى كرمان واثنان إلى سجستان واثنان إلى الجزيرة وواحد إلى اليمن فظهرت بدعتهم بتلك البلاد وبقيت بها‏.‏

ثم من مذهبهم منع التحكيم على ما تقدم وتخطئة علي وأصحابه ومعاوية وأصحابه بصفين في اعتمادهم إياه بل تكفيرهم على ما تقدم ومنها امتناع ذلك عن رضا أصلاً وأنهم يمنعون التأويل في كتاب الله تعالى‏.‏

ومنهم من يقول‏:‏ إن سورة يوسف عليه السلام ليست من القرآن وإنما هي قصة من القصص ومن أدخلها في القرآن فقد زاد فيه ما ليس منه على ما سيأتي ذكره‏.‏

ويقولون‏:‏ إن إمارة بني أمية كانت ظلماً وإن قضاءهم الذي رتبوه على التحكيم باطل‏.‏

ويذهبون إلى تخطئة عمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري فيما اتفقا عليه عند تحكيمهما ويشنعون على معاوية وأصحابه ويقولون‏:‏ استباحوا الفروج والأموال بغير حق‏.‏

ثم منهم من يكفر بالكبائر ومنهم ونشهد أن محمداً عبده ورسوله يكفر بالإصرار على الصغائر بخلاف الكبائر من غير إصرار على ما يأتي ذكره‏.‏

ويصوبون فعلة عبد الرحمن بن ملجم في قتله علياً رضي الله عنه وينكرون على من ينكر ذلك عليه لا سيما من ذهب من الشيعة إلى أن ذلك كفر‏.‏

وفي ذلك يقول شاعرهم‏:‏ يا ضربة من ولي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا إني لأذكره يوماً فأحسبه أوفى الخليفة عند الله ميزانا وكذلك يصوبون فعل عمرو بن بكر الخارجي في قتل خارجة بن أبي حبيبة صاحب شرطة عمرو بن العاص بمصر حين قتله على أنه عمرو بن العاص لما لهم عنده من الإحن والضغائن وأنهم يصوبون فعل قطام زوج عبد الرحمن بن ملجم في اشتراطها على ابن ملجم حين خطبها ثلاثة آلاف وعبداً وقينة وقتل علي وأنهم يستعظمون خلع طاعة رؤوسهم وأنهم يجوزون كون الإمام غير قرشي بل هم يجوزون إمامة الحر والعبد جميعاً وينسبون من خالفهم إلى الخطاء ويستبيحون دماءهم بمقتضى ذلك‏.‏

واعلم أن ما تقدم ذكره من معتقدات الخوارج هو مقتضى ما رتبه من يمينهم في ‏"‏ التعريف ‏"‏ على ما سيأتي ذكره‏.‏

على أن بعض هذه المعتقدات يختص بها بعض فرق الخوارج دون بعض على ما سيأتي بيانه ولكل منهم معتقدات أخرى تزيد على ما تقدم ذكره‏.‏

وهأنا أذكر بعض فرقهم وبعض ما اختصت به كل فرقة منهم ليبني على ذلك من أراد ترتيب يمين لفرقة منهم‏:‏ فمنهم المحكمة - وهم الذين يمنعون التحكيم‏.‏

ومنهم الأزارقة - وهم أتباع نافع بن الأزرق وهم الذين خرجوا بفارس وكرمان أيلم ابن الزبير وقاتلهم المهلب بن أبي صفرة وهم الذين يكفرون علياً مع جمع من الصحابة ويصوبون فعل ابن ملجم ويكفرون القعدة عن القتال مع الإمام وإن قاتل أهل دينه ويبيحون قتل أطفال المخالفين ونسائهم ويسقطون الرجم عن الزاني المحصن وحد القذف عن قاذف الرجل المحصن دون قاذف المرأة المحصنة ويخرجون أصحاب الكبائر عن الإسلام ويقولون‏:‏ التقية غير جائزة‏.‏

ومنهم النجدات - وهم أصحاب نجدة بن عامر يكفرون بالإصرار على الصغائر دون فعل الكبائر من غير إصرار ويستحلون دماء أهل العهد والذمة وأموالهم في دار التقية ويتبرأون ممن حرمها‏.‏

ومنهم البيهسية - وهم أصحاب أبي بيهس بن جابر يرون أنه لا حرام إلا ما وقع عليه النص بقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً ‏"‏ الآية‏.‏

ويكفرون الرعية بكفر الإمام‏.‏

ومنهم العجاردة - وهم الذين ينكرون كون سورة يوسف من القرآن ويقولون‏:‏ إنما هي قصة من القصص ويوجبون التبري من الطفل فإذا بلغ دعي إلى الإسلام‏.‏

ومنهم الميمونية - وهم فرقة يقولون‏:‏ إن الله تعالى يريد الخير دون الشر ويجوزون نكاح بنات البنات وبنات أولاد الإخوة والأخوات‏.‏

ومنهم الإباضية - يرون أن مرتكب الكبيرة كافر للنعمة لا مشرك ويرون أن دار مخالفيهم من المسلمين دار توحيد ودار السلطان منهم دار بغي‏.‏

ومنهم الثعلبة - يرون ولاية الطفل حتى يظهر عليه إنكار الحق فيتبرأون منه‏.‏

ومنهم الصفرية - يرون أن ما كان من الكبائر فيه حد كالزنا لا يكفر به وما كان منها ليس فيه حد‏:‏ كترك الصلاة يكفر به‏.‏

وقد رتب في ‏"‏ التعريف ‏"‏ تحليفهم على مقتضى ما ذكره من اعتقادهم فقال‏:‏ وأيمانهم أيمان أهل السنة ويزاد فيها‏:‏ وإلا أجزت التحكيم وصوبت قول الفريقين في صفين وأطعت بالرضا مني حكم أهل الجور وقال في كتاب الله بالتأويل وأدخلت في القرآن ما ليس منه وقلت‏:‏ إن إمارة بني أمية عدل وإن قضاءهم حق وإن عمرو بن العاص أصاب وإن أبا موسى ما أخطأ واستبحت الأموال والفروج لغير حق واجترحت الكبائر والصغائر ولقيت الله مثقلاً بالأوزار وقال‏:‏ إن فعلة عبد الرحمن بن ملجم كفر وإن قاتل خارجة آثم وبرئت من فعلة قطام وخلعت طاعة الرؤوس وأنكرت أن تكون الخلافة إلا في قريش وإلا فلا رويت سيفي ورمحي من دماء المخطئين‏.‏

الطائفة الثانية الشيعة وهم الذين شايعوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقالوا بإمامته وخلافته‏:‏ نصاً ووصاية جلياً أو خفياً وإن الإمامة لا تخرج عنه وعن بنيه إلا بظلم من غير ذلك الإمام أو بتقية منه لغيره‏.‏

قال الشهرستاني في ‏"‏ النحل والملل ‏"‏‏:‏ ويجمعهم القول بوجوب التعيين للإمام والتنصيص عليه ممن وقال فيه ‏"‏ التعريف ‏"‏ يجمعهم حب علي رضي الله عنه وتختلف فرقهم فيمن سواه‏.‏

فأما مع إجماعهم على حبه فهم مختلفون في اعتقادهم فيه فمنهم أهل غلو مفرط وعتو زائد‏:‏ ففيهم من أدى به الغلو إلى أن اتخذ علياً إلهاً وهم النصيرية - قال ومنهم من قال‏:‏ إنه النبي المرسل وإن جبريل غلط ومنهم من قال‏:‏ إنه شريك في النبوة والرسالة ومنهم من قال‏:‏ إنه وصي النبوة بالنص الجلي ثم تخالفوا في الإمامة بعدهوأجمعوا بعده على الحسن ثم الحسين وقالت فرقت منهم‏:‏ وبعدهما محمد بن الحنفية‏.‏

ثم قد ذكر فيه ‏"‏ التعريف ‏"‏ أن الموجود من الشيعة في هذه المملكة خمس فرق‏:‏ الفرقة الأولى الزيدية وهم القائلون بإمامة زيد بن علي بن الحسين السبط ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو الذي رأسه مدفون بالمشهد الذي بين كيمان مصر جنوبي الجامع الطولوني المعروف بمشهد الرأس فيما ذكره القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر في خطط القاهرة‏.‏

قال في ‏"‏ التعريف ‏"‏ وأيمانهم أيمان أهل السنة يعني فيحلفون كما تقدم ويزاد فيها‏:‏ وإلا برئت من معتقد زيد بن علي ورأيت أن قولي في الأذان‏:‏ ‏"‏ حي على خير العمل ‏"‏ بدعة وخلعت طاعة الإمام المعصوم الواجب الطاعة وادعيت أن المهدي المنتظر ليس من ولد الحسين بن علي وقلت بتفضيل الشيخين على أمير المؤمنين علي وبنيه وطعنت في رأي ابنه الحسن لما اقتضته المصلحة وطعنت عليه فيه‏.‏

الفرقة الثانية من الشيعة الإمامية وهم القائلون بإمامة اثني عشر إماماً‏:‏ أولهم أمير المؤمنين علي المرتضى ثم ابنه الحسن المجتبى ثم أخوه الحسين شهيد كربلاء ثم ابنه علي السجاد زين العابدين ثم ابنه محمد الباقر ثم ابنه جعفر الصادق ثم ابنه الكاظم ثم ابنه علي الرضا وهو الذي عهد إليه المأمون بالخلافة ومات قبل أن يموت المأمون ثم ابنه محمد التقي ثم ابنه علي النقي ثم ابنه الحسن الزكي المعروف بالعسكري ثم ابنه محمد الحجة وهو المهدي المنتظر عندهم يقولون إنه دخل مع أمه صغيراً سرداباً بالحلة على القرب من بغداد ففقد ولم يعد فهم ينتظرونه إلى الآن ويقال‏:‏ إنهم في كل ليلة يقفون عند باب السرداب ببغلة مشدودة ملجمة من الغروب إلى مغيب الشفق ينادون‏:‏ أيها الإمام‏!‏ قد كثر الظلم‏!‏ وظهر الجور فاخرج إلينا‏!‏ ثم يرجعون إلى الليلة الأخرى وتلقب هذه الفرقة بالاثني عشرية أيضاً لقولهم بإمامة اثني عشر إماماً وبالموسوية لقولهم بانتقال الخلافة بعد جعفر الصادق إلى ابنه موسى الكاظم المقدم ذكره دون أخيه إسماعيل إمام الإسماعيلية الآتي ذكره وبالقطعية لقولهم بموت إسماعيل المذكور في حياة أبيه الصادق والقطع بانتقال الإمامة إلى موسى‏.‏

قال في ‏"‏ التعريف ‏"‏‏:‏ وهم مسلمون إلا أنهم أهل بدعة كبيرة سبابة‏.‏

وهم يقولون‏:‏ بإمامة علي رضي الله عنه نصاً ظاهراً وتعييناً صادقاً احتجاجاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ من يبايعني على ماله فبايعه جماعة ثم قال‏:‏ من يبايعني على روحه وهو وصيي وولي هذا الأمر من بعدي فلم يبايعه أحد حتى مد أمير المؤمنين علي عليه السلام يده إليه فبايعه على روحه ووفى بذلك ‏"‏‏.‏

قال في ‏"‏ العبر ‏"‏‏:‏ وهذه الوصية لا تعرف عن أحد من أهل الأثر بل هي من موضوعاتهم ويخصونه بوراثة علم النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

ويرون أنه صلى الله عليه وسلم قال يوم غدير خم‏:‏ ‏"‏ من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والي من والاه وعادي من عاداه وأدر الحق على لسانه كيفما دار ‏"‏ ويرون أن بيعة الصديق رضي الله عنه يوم السقيفة غير صحيحة‏:‏ حين اجتمع الأنصار بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم على سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة ليبايعوه وذهب إليهم أبو بكر رضي الله عنه ومه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة وروى لهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ لا يصلح هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش ‏"‏ فرجعوا إلى قوله وبايعه عمر ثم بايعه الناس على ما تقدم ذكره في الكلام على مبايعات الخلفاء في المقالة الخامسة وأن القائم فيها مجترم لا سيما أول باد بذلك‏.‏

ويقولون‏:‏ إن الحق كان في ذلك لعلي بالوصية‏.‏

ويقولون‏:‏ إن القيام على أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وحصره في الدار كان واجباً لاعتاقدهم عدم صحة خلافته مع وجود علي رضي الله عنه وإن المتأخر عن حصره كان مخطئاً‏.‏

ويرون جواز التقية خوفاً على النفس وأن علياً رضي الله عنه إنما تأخر عن طلب الإمامة عند قيام من كان قبله بها تقية على نفسه‏.‏

ويرون أن من أعان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الخلافة كان مخطئاً‏:‏ لبطلان خلافته بترتبها على خلافة أبي بكر ووجود علي الذي هو أحق بها‏.‏

ويزعمون أن الصديق رضي الله عنه منع فاطمة رضي الله عنها حقها من إرثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم تعدياً وأن من ساعد في تقديم تيم بخلافة أبي بكر أو تقديم عدي بخلافة عمر أو تقديم أمية بخلافة عثمان كان مخطئاً‏.‏

ويزعمون أن عمر رضي الله عنه لم يصب في جعل الأمر شورى بين بقية العشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لاستحقاق تقدم علي على الجميع‏.‏

ويصبون قول حسان بن ثابت رضي الله عنه فيما كان من موافقته في حديث الإفك في حق عائشة رضي الله عنها ولا يرون تكذيبه في ذلك‏.‏

ويرون أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها كانت مخطئة في قيامها على علي يوم الجمل وأن من قام معها كان مخطئاً للموافقة على الخطإ‏.‏

ويقولون إن من قام مع معاوية على علي بصفين وشهر السيف معه عليه فقد ارتكب محظوراً وينكرون ما وقع من زياد بن أبيه من الدعوى الباطلة وذلك أنه بعد قتل الحسين عليه السلام جهز جيشاً إلى المدينة النبوية مع مسلم بن عبد الله فقتلوا وسبوا وبايعوا من تبعهم على أنهم خول ليزيد‏.‏

ويقولون ببطلان حكم ابن مرجانة ويعدون من العظائم قيام عمر بن سعد في قتال الحسين وحقيق أن ينكروا عليه ذلك ويستعظموه‏!‏ فقد قيل‏:‏ إنه بعد قتله أمر جماعة فوطئوا صدر الحسين وظهره بالخيل وكان يزيد قاتله الله قد أمره بذلك‏.‏

ويرون أن الأمر صار بعد الحسن عليه السلام إلى أخيه الحسين ويقولون إن الإمامة عند الحسن مستودعة لا مستقرة ولذلك لم تثبت في بنيه‏.‏

ويعدون من العظائم فعل شمر بن ذي الجوشن‏:‏ وهو الذي احتز رأس الحسين وأن من ساعده على ذلك مرتكب أعظم محظورات بأشد بلية وحقيق ذلك أن يستعظموه‏!‏ فأي جريمة أعظم من قتل سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقد ذكر صاحب ‏"‏ نظم السمط في خبر السبط ‏"‏‏:‏ أنه وجد في حجر مكتوب قبل البعثة بألف سنة ما صورته‏:‏ أترجو أمة قتلت حسيناً شفاعة جده يوم الحساب ويقال إن الذي احتز رأس الحسين إنما هو سنان بن أنس النخعي‏.‏

ويعدون من العظائم أيضاً سبي معاوية أهل البيت عند غلبة علي رضي الله عنه بصفين وسوقهم معه إلى دمشق سوقاً بالعصي ويرون أن خلافة يزيد بن معاوية كانت من أعظم البلايا وأن المغيرة بن شعبة أخطأ حيث أشار على معاوية بها ويقولون بالتبري من عمرو بم العاص رضي الله عنه لانتمائه إلى معاوية وخديعته أبا موسى الأشعري يوم الحكمين حتى خلع علياً وإن من ظاهره أو عاضده كان مخطئاً‏.‏

وكذلك يتبرؤون من بسر بن أبي أرطاة‏:‏ لأن معاوية بعثه إلى الحجاز في عسكر فدخل المدينة وسفك بها الدماء واستكره الناس على البيعة لمعاوية وتوجه إلى اليمن بعد ذلك فوجد صبيين لعبيد الله بن عباس عامل علي على اليمن فقتلهما‏.‏

ويرون تخطئة عقبة بن عبد الله المري ويقدحون في رأي الخوارج‏:‏ وهم الذين خرجوا على علي رضي الله عنه بعد حرب صفين على ما تقدم ذكره في الكلام على أيمان الخوارج‏:‏ وهو ويقولون‏:‏ إن الإمامة انتقلت بعد الحسين إلى ابنه زين العابدين ثم إلى ابنه محمد الباقر ثم إلى ابن جعفر الصادق ثم إلى ابنه موسى الكاظم ثم إلى ابنه علي الرضا ثم إلى ابنه محمد التقي ثم إلى ابنه علي النقي ثم إلى ابنه الحسن الزكي ثم إلى ابنه محمد الحجة وهو المهدي المنتظر عندهم على ما تقدم ذكره في أول الكلام على هذه الفرقة وإن من خالف ذلك فقد خالف الصواب‏.‏

ويستعظمون دلالة من دل بني أمية وبني العباس على مقاتل أهل البيت‏.‏

أما دلالة بني أمية فبعد غلبة معاوية بصفين‏.‏

وأما دلالة بني العباس فبعد تنازع بني العباس وأهل البيت في طلب الخلافة زمن أبي جعفر المنصور وما بعده‏.‏

ويقولون‏:‏ ببقاء حكم المتعة‏:‏ وهي النكاح المؤقت الذي كان في صدر الإسلام‏.‏

ويشنعون على نجدة بني عامر الحنفي الخارجي حيث زاد في حد الخمر وغلظ فيه تغليظاً شديداً كما حكاه الشهرستاني عنهم‏.‏

ويستعظمون البراءة من شيعة أمير المؤمنين علي رضي الله عنه واتباع أهوية أهل الشام من متابعي بني أمية والغوغاء القائمين بالنهروان‏:‏ وهم الخوارج الذين خالفوا علياً بعد قضية التحكيم بصفين وأقاموا بالنهروان من العراق لقتال علي ورئيسهم يومئذ عبد الله بن وهب فسار إليهم ويرون أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه أخطأ في موافقته عمرو بن العاص رضي الله عنه‏:‏ حيث حكم بخلع علي ولم يخلع عمرو معاوية‏.‏

ويعتمدون في القرآن الكريم على مصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه دون المصحف الذي أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم فلا يثبتون ما لم يثبت فيه قرآناً‏.‏

ويتبرأون من فعل ابن ملجم في قتله أمير المؤمنين رضي الله عنه وحق لهم التبري من ذلك‏.‏

ويرون أن موالاة ابن ملجم وإسعافه في صداق زوجته قطام جريرة‏.‏

ويرون محبة قبيلة همدان من المحبوب المطلوب‏:‏ لمشايعتهم علياً رضي الله عنه ومحبتهم أهل البيت كما هو المشهور عنهم حتى يحكى أن أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه صعد يوماً المنبر وقال‏:‏ ألا لا ينكحن أحد منكم الحسن بن علي فإنه مطلاق فنهض رجل من همدان وقال‏:‏ والله لننكحنه ثم لننكحنه‏!‏ إن أمهر أمهر كثيفاً وإن أولد أولد شريفاً‏!‏‏.‏

فقال علي رضي الله عنه حينئذ‏:‏ لو كنت بواباً على باب جنة لقلت لهمدان ادخلي بسلام‏!‏ ويقولون باشتراط العصمة في الأئمة فلا يكون من ليس بمعصوم عندهم إماماً‏.‏

وقد رتب في ‏"‏ التعريف ‏"‏ يمينهم على هذه العقائد فقال‏:‏ وهؤلاء يمينهم هي‏:‏ إنني والله والله والله العظيم الرب الواحد الأحد الفرد الصمد وما أعتقده من صدق محمد صلى الله عليه وسلم ونصه على إمامة ابن عمه ووارث علمه علي ابن أبي طالب رضي الله عنه يوم غدير خم وقوله‏:‏ ‏"‏ من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والي من والاه‏!‏ وعاد من عاداه‏!‏ وأدر الحق على لسانه كيفما دار‏!‏ ‏"‏ وإلا كنت مع أول قائم يوم السقيفة وآخر متأخر يوم الدار ولم أقل بجواز التقية خوفاً على النفس وأعنت ابن الخطاب واضطهدت فاطمة ومنعتها حقها من الإرث وساعدت في تقديم تيم وعدي وأمية ورضيت بحكم الشورى وكذبت حسان بن ثابت يوم عائشة وقمت معها يوم الجمل وشهرت السيف مع معاوية يوم صفين وصدقت دعوى زياد ونزلت على حكم ابن مرجانة وكنت مع عمر بن سعد في قتال الحسين وقلت‏:‏ إن الأمر لم يصر بعد الحسن إلى الحسين وساعدت شمر بن ذي الجوشن على فعل تلك البلية وسبيت أهل البيت وسقتهم بالعصي إلى دمشق ورضيت بإمالة يزيد وأطعت المغير بن شعبة وكنت ظهيراً لعمرو بن العاص ثم لبسر بن أبي أرطاة وفعلت فعل عقبة بن عبد الله المري وصدقت رأي الخوارج وقلت‏:‏ إن الأمر لم ينتقل بعد الحسين بن علي في أبنائه إلى تمام الأئمة إلى الإمام المهدي المنتظر ودللت على مقاتل أهل البيت بني أمية وبني العباس وأبطلت حكم التمتع وزدت في حد الخمر ما لم يكن وحرمت بيع أمهات الأولاد وقلت برأيي في الدين وبرئت من شيعة أمير المؤمنين وكنت مع هوى أهل الشام والغوغاء القائمة بالنهروان واتبعت خطأ أبي موسى وأدخلت في القرآن ما لم يثبته ابن مسعود وشركت ابن ملجم وأسعدته في صداق قطام وبرئت من محبة همدان ولم أقل باشتراط العصمة في الإمام ودخلت مع أهل النصب الظلام‏.‏

قلت‏:‏ قد ذكر في ‏"‏ التعريف ‏"‏ فرقة الإمامية هذه من الشيعة الذين بهذه المملكة ولم أعلم أين مكانهم منها‏.‏

الفرقة الثالثة الإسماعيلية وهم القائلون بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق وأن الأمامة انتقلت بعد أبيه دون أخيه موسى الكاظم المقدم ذكره في الكلام على فرقة الإمامية وهم يوافقون الإمامية المقدم ذكرهم في سوق الإمامة من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى جعفر الصادق ثم يعدلون عن موسى الكاظم الذي هو الإمام عند الإمامية إلى إسماعيل هذا ثم يسوقونها في بني فيقولون‏:‏ إن الإمامة انتقلت بعد أمير المؤمنين علي رضي الله عنه إلى ابنه الحسن ثم إلى أخيه الحسين ثم إلى ابنه علي زين العابدين ثم إلى ابنه محمد الباقر ثم إلى ابنه جعفر الصادق ثم إلى ابنه إسماعيل - الذي تنسب إليه هذه الفرقة - بالنص من أبيه‏.‏

فمن قائل‏:‏ إن أباه مات قبله وانتقلت الإمامة إليه بموته‏.‏

ومن قائل‏:‏ إنه مات قبل أبيه‏.‏

وفائدة النص ثبوتها في بنيه بعده‏.‏

ثم يقولون‏:‏ إنها انتقلت من إسماعيل المذكور إلى ابنه محمد المكتوم ثم إلى ابنه جعفر الصدق ثم إلى ابنه محمد الحبيب ثم إلى ابنه عبيد الله المهدي أول خلفاء الفاطميين ببلاد المغرب وهو جد الخلفاء الفاطميين بمصر ثم إلى ابنه القائم بأمر الله أبي القاسم محمد‏:‏ ثاني خلفاء الفاطميين ببلاد المغرب ثم إلى ابنه المنصور بالله أبي الطاهر إسماعيل‏:‏ ثالث خلفاء الفاطميين ببلاد المغرب ثم إلى ابنه المعز لدين الله أبي تميم معد‏:‏ أول خلفاء الفاطميين بمصر بعد قيامه ببلاد المغرب وهو باني القاهرة ثم إلى ابنه العزيز بالله أبي المنصور نزار‏:‏ ثاني خلفائهم بمصر ثم إلى ابنه الحاكم بأمر الله أبي علي المنصور‏:‏ ثالث خلفائهم بمصر ثم إلى ابنه الظاهر لإعزاز دين الله أبي الحسن علي‏:‏ رابع خلفائهم بمصر ثم إلى ابنه المستنصر بالله أبي تميم معد‏:‏ خامس خلفائهم بمصر‏.‏

ثم من هاهنا افترقت الإسماعيلية إلى فرقتين‏:‏ مستعلوية ونزارية‏.‏

فأما المستعلوية فيقولون‏:‏ إن الإمامة انتقلت بعد المستنصر بالله المقدم ذكره إلى ابنه المستعلي بالله أبي القاسم أحمد‏:‏ سادس خلفائهم بمصر ثم إلى ابنه الآمر بأحكام الله أبي علي المنصور‏:‏ سابع خلفائهم بمصر ثم إلى ابنه الحافظ لدين الله أبي الميمون عبد المجيد بن أبي القاسم‏:‏ ثامن خلفائهم بمصر ثم إلى ابنه الظافر بأمر الله أبي المنصور إسماعيل تاسع خلفائهم بمصر ثم إلى ابنه الفائز بنصر الله أبي القاسم عيسى بن الظافر‏:‏ عاشر خلفائهم بمصر ثم إلى العاضد لدين الله أبي محمد عبد الله بن يوسف بن الحافظ‏:‏ حادي عشر خلفائهم بمصر وهو آخرهم حتى مات‏.‏

وأما النزارية فإنهم يقولون إن الإمامة انتقلت بعد المستنصر إلى ابنه نزار بالنص من أبيه دون ابنه المستعلي ويستندون بذلك إلى أن الحسن بن الصباح كان من تلامذة أحمد بن عطاش صاحب قلعة أصبهان وألموت وكان شهماً عالماً بالتعاليم والنجوم والسحر فاتهمه ابن عطاش بالدعوة للفاطميين خلفاء مصر فخاف وهرب منه إلى مصر في خلافة المستنصر المقدم ذكره فأكرمه وأمره بدعاية الناس إلى إمامته فقال له ابن الصباح‏:‏ من الإمام بعدك فقال له‏:‏ ابني نزار فعاد ابن الصباح من مصر إلى الشام والجزيرة وديار بكر وبلاد الروم ودخل خراسان وعبر إلى ما وراء النهر وهو يدعو إلى إمامة المستنصر وابنه نزار بعده‏.‏

قال الشهرستاني في ‏"‏ الملل والنحل ‏"‏‏:‏ وصعد قلعة الموت في شعبان سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة واستظهر وتحصن‏.‏

ثم النزارية يزعمون أن نزاراً المذكور خرج من الإسكندرية حملاً في بطن جارية تقية على نفسه وخاض بلاد الأعداء حتى صار إلى ألموت‏.‏

ورأيت في ‏"‏ المغرب ‏"‏ لابن سعيد أنه إنما صار من عقبه من وصل إلى تلك البلاد وصارت الإمامة في بنيه هناك‏.‏

والمستعلوية ينكرون ذلك إنكاراً ويقولون‏:‏ إنه قتل بالإسكندرية‏:‏ سار إليه الأفضل بن أمير الجيوش وزير المستعلي وحاصره بالإسكندرية ثم ظفر به وأتى به إلى المستعلي فبنى على حائطين فمات ثم فر بعض بني نزار إلى بلاد مشارق أفريقية وأقام بالمغرب والقائمون بها الآن من ولده وهو الذي تشهد به كتب التواريخ‏:‏ كمغرب ابن سعيد وغيره‏.‏

ثم الإسماعيلية في الجملة‏:‏ من المستعلوية والنزارية يسمون أنفسهم أصحاب الدعوة الهادية تبعاً لإمامهم إسماعيل المذكور فإنه كان يسمى صاحب الدعوة الهادية‏.‏

قال في ‏"‏ التعريف ‏"‏‏:‏ وهم وإن أظهروا الإسلام وقالوا بقول الإمامية ثم خالفوهم في موسى الكاظم وقالوا‏:‏ إن الإمامة لم تصر إلى أخيه إسماعيل فإنهم طائفة كافرة يعتقدون التناسخ والحلول‏.‏

وذكر في ‏"‏ مسالك الأبصار ‏"‏ أن ملخص معتقدهم التناسخ‏.‏

ثم قال‏:‏ ولقد سألت المقدم عليهم والمشار إليه فيهم‏:‏ وهو مبارك بن علوان عن معتقدهم وجاذبته الحديث في ذلك مراراً فظهر لي منه أنهم يرون أن الأرواح مسجونة في هذه الأجسام المكلفة بطاعة الإمام المطهر على زعمهم فإذا انتقلت على الطاعة كانت قد تخلصت وانتقلت للأنوار العلوية وإن انتقلت على العصيان هوت في الظلمات السفلية‏.‏

وذكر في ‏"‏ العبر ‏"‏‏:‏ أن منهم من يدعي ألوهية الإمام بنوع الحلول ومنهم من يدعي رجعة من مات من الأئمة بنوع التناسخ والرجعة ومنهم من ينتظر مجيء من يقطع بموته ومنهم من ينتظر عود الأمر إلى أهل البيت‏.‏

ثم المستعلوية والنزارية يتفقون في بعض المعتقدات ويختلفون في بعضها‏.‏

فأما ما يتفقون عليه من الاعتقاد فهم يتفقون على أنهم لابد من إمام معصوم‏:‏ ظاهر أو مستور‏.‏

فالأئمة الظاهرون هم الذين يظهرون أنفسهم ويدعون الناس إلى إمامتهم والمستورون هم الذين يستترون ويظهرون دعاتهم‏.‏

وآخر الظاهرين عندهم إسماعيل الذي ينسبون إليه وأول المستورين ابنه المكتوم‏.‏

ومن معتقدهم أن مات ولم يعرف إمام زمانه أو لم يكن في عنقه بيعة إمام مات ميتة جاهلية ويرون أن العلم لا يكون إلا بالتعليم من الأئمة خاصة وأن الأئمة هم هداة الناس ويقولون‏:‏ إن للأئمة أدواراً في كل دور منها سبعة أئمة‏:‏ ظاهرين أو مستورين‏.‏

فإن كان أهل الدور ظاهرين يسمى ذلك الدور دور الكشف وإن كانوا مستورين يسمى دور الستر‏.‏

ويقولون بوجوب موالاة أهل البيت ويتبرأون ممن خالفهم وينسبونهم إلى الأخذ بالباطل والوقوع في الضلال لا سيما النواصب وهم الطائفة المعروفة بالناصبية أتباع‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

ويرمونهم بالعظائم وينسبونهم إلى اعتماد المحال والأخذ به‏.‏

ومن خرج عندهم عن القول بانتقال الإمامة بعد الحسن السبط عليه السلام ثم أخيه الحسين ثم في أئمتهم المتقدم ذكرهم إلى إمامهم إسماعيل الذين ينسبون إليه بالنص الجلي فقد حاد عن الحق‏.‏

وهم يعظمون‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

ويستعظمون القدح فيه وأن من وقع في ذلك فقد ارتكب خطأً كبيراً‏.‏

ولدعاة الأئمة المستورين عندهم من المكانة وعلو الرتبة الرتبة العظمى لا سيما الداعي القائم بذلك أولاً‏:‏ وهو الداعي إلى محمد المكتوم أول أئمتهم المستورين على ما تقدم ذكره فإن له من الرتبة عندهم فوق ما لغيره من الدعاة القائمين بعده‏.‏

ومما اشتهر من أمر الدعاة لأئمتهم المستورين أنه كان ممن ينسب إلى التشيع رجل اسمه رمضان ويقال‏:‏ إنه صاحب كتاب ‏"‏ الميزان ‏"‏ في نصرة الزندقة فولد له ولد يقال له‏:‏ ميمون نشأ على أهبة في التشيع والعلم بأسرار الدعاء لأهل البيت ثم نشأ لميمون ولد يقال له‏:‏ عبد الله وكان يعالج العيون ويقدحها فسمي القداح واطلع على أسرار الدعوة من أبيه وسار من نواحي كرخ وأصبهان إلى الأهواز والبصرة وسلمية من أرض الشام يدعو الناس إلى أهل البيت ثم مات ونشأ له ولد يسمى أحمد فقام أبيه عبد الله القداح في الدعوة وصحبه رجل يقال له رستم بن الحسين بن حوشب النجار من أهل الكوفة فأرسله أحمد إلى اليمن فدعا الشيعة باليمن إلى عبد الله المهدي فأجابوه وكان أبو عبد الله الشيعي من أهل صنعاء من اليمن وقيل من أهل الكوفة يصحب ابن حوشب فحظي عنده وبعثه إلى المغرب‏.‏

ومن نسب أحداً من هذه الدعاة إلى ارتكاب محظور أو احتقاب إثم فقد ضل وخرج عن جادة الصواب عندهم‏.‏

ويرون تخطئة من مالاً على الإمام عبيد الله المهدي‏:‏ أول أئمتهم القائمين ببلاد الغرب على ما تقدم وارتكابه المحظور وضلاله عن طريق الحق وكذلك من خذل الناس عن اتباع القائم بأمر الله بن عبيد الله المهدي ثاني خلفائهم ببلاد المغرب أو نقض الدولة على المعز لدين الله‏:‏ أول خلفائهم بمصر ويرون ذلك من أعظم وأكبر الكبائر‏.‏

ومن أعيادهم العظيمة الخطر عندهم يوم غدير خم ‏"‏ بفتح الغين المعجمة وكسر الدال المهملة وسكون المثناة تحت وراء مهملة في الآخر ثم خاء معجمة مضمومة بعدها ميم ‏"‏‏:‏ وهو غيضة بين مكة والمدينة على ثلاثة أيام من الجحفة‏.‏

وسبب جعلهم له عيداً أنهم يذكرون أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل فيه ذات يوم فقال لعلي رضي الله عنه‏:‏ ‏"‏ اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل منخذله وأدر الحق معه حيث دار ‏"‏ على ما تقدم نحوه في الكلام على يمين الإمامية‏.‏

وقد كان للخلفاء الفاطميين بمصر بهذا العيد اهتمام عظيم ويكتبون بالبشارة بعيد الفطر به إلى أعمالهم كما يكتبون بالبشارة بعيد الفطر وعيد النحر ونحوهما‏.‏

ويعتقدون في أئمتهم أنهم وقد ذكر المؤرخون عن عبيد الله المهدي جد الخلفاء الفاطميين بمصر أنه حين بنى المهدية بمشارق أفريقية من بلاد المغرب طلع على سورها ورمى بسهم وقال‏:‏ إلى حد هذه الرمية ينتهي صاحب الحمار فخرج بالمغرب خارجي يعرف بأبي يزيد صاحب الحمار وقصد المهدية حتى انتهى إلى حد تلك الرمية فرجع ولم يصل المهدية‏.‏

وكان الحاكم بأمر الله أحد خلفاء مصر من عقب المهدي المذكور يدعي علم الغيب على المنبر بالجامع المعروف به على القرب من باب الفتوح بالقاهرة فكتبوا له بطاقة فيها‏:‏ بالظلم والجور قد رضينا وليس بالكفر والحماقه إن كنت أوتيت علم الغيب بين لنا كاتب البطاقه فترك ما كان يقوله ولم يعد إليه ‏"‏ قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون ‏"‏‏.‏

وهم يقدحون في عياش بن أبي الفتوح الصنهاجي وزير الظافر‏:‏ أحد الخلفاء الفاطميين بمصر‏.‏

وذلك أنه كان له ولد حسن الصورة اسمه نصر فأحبه الظافر المذكور حتى كان يأتي ليلاً إلى بيته فرمى عياش الظافر بابنه وأمره أن يستدعيه فاستدعاه فأتى إليه ليلة على العادة فاجتمع عياش بن السلار هو وابنه نصر على الظافر وقتلاه وهربا إلى الشام فأسرهما الفرنج وهم يقدحون في عياش المذكور ويرمونه بالنفاق بسبب ما وقع منه في حق الظافر من رميه بابنه وقتله إياه‏.‏

قلت‏:‏ وعياش هذا هو الذي أشار إليه في ‏"‏ التعريف ‏"‏ في صورة يمين الإسماعيلية بابن السلار‏.‏

وهو وهم منه إذ ليس عياش بابن السلار وإنما ابن السلار هو زوج أم عياش المذكور وكان قد وزر للظافر المذكور قبل ربيبه عياش وتلقب بالعادل واستولى على الأمر حتى لم يكن للظافر معه كلام ثم دس عليه ربيبه عياش من قتله ووزر للظافر بعده‏.‏

فابن السلار هو العادل وزير الظافر أولاً لا عياش ربيبه‏.‏

ومن أكبر الكبائر عندهم وأعظم العظائم أن يرمى أحد من أهل آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لا سيما الأئمة بكبيرة أو ينسبها أحد إليهم أو يوالي لهم عدواً أو يعادي ولياً‏.‏

وأما ما يختص به المستعلوية فإنهم ينكرون إمامة نزار بن المستنصر المقدم ذكره ويكذبون النزارية في قولهم‏:‏ إن نزاراً خرج حملاً في بطن جارية حتى صار إلى بلاد الشرق‏.‏

ويقولون‏:‏ إنه مات بالإسكندرية ميتة ظاهرة‏.‏

ويقولون‏:‏ إنه نازع الحق أهله وجاذب الخلافة ربها من حيث إن الحق في الإمامة والخلافة كان لإمامهم المستعلي بالله فادعاه لنفسه‏.‏

ويقولون‏:‏ إن شيعته على الباطل وموافقتهم في اعتقادهم إمامته خطأ‏.‏

ويرون من الضلال اتباع الحسن بن الصباح داعية نزار والناقل عن المستنصر النص على إمامته ويرون الكون في جملة النزارية من أعظم الأضاليل لا سيما من كان فيهم آخر أدوار الأئمة التي هي في كل دور سبعة أئمة على ما يقدم ذكره في صدر الكلام على أصل معتقد هذه الفرقة‏.‏

ثم هم يعظمون راشد الدين سنان‏:‏ وهو رجل كان بقلاع الدعوة بإعمال طرابلس من البلاد الشامية في زمن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب انتهت رياستهم إليه‏.‏

قال في ‏"‏ مسالك الأبصار ‏"‏‏:‏ وكان رجلاً صاحب سيميا فأراهم بها ما أضل به عقولهم‏:‏ من تخييل أشخاص من مات منهم على طاعة أئمتهم في جنات النعيم وأشخاص من مات منهم على عصيان أئمتهم في النار والجحيم فثبت ذلك عندهم واعتقدوه حقاُ‏.‏

ومن قدح في ذلك فقد دخل في أهل الضلال‏.‏

ويقدحون في ابن السلار المقدم ذكره ويسفهون رأيه فيما كان منه‏:‏ من إزالة الخطبة للفاطميين وحط رايتهم الصفراء والخطبة لبني العباس ورفع رايتهم السوداء وما كان منه من الفعلة التي استولى بها على قصر الفاطميين ومن فيه وأخذ أموالهم بعد موت العاضد‏.‏

وأما ما يختص به النزارية فإنهم يقولون‏:‏ إن الأمر صار إلى نزار بعد أبيه المستنصر على ما تقدم ذكره وإن من جحد إمامته فقد أخطأ ويزعمون أنه خرج من الإسكندرية حملاً في بطن أمة وخاض بلاد أعدائه الذين هم المستعلوية بمصر حتى صار إلى بلاد الشرق‏.‏

ويقولون‏:‏ إن الاسم يغير الصورة بمعنى ويرون أن الطعن على الحسن بن الصباح المقدم ذكره فيما نقله عن المستنصر من قوله‏:‏ الإمامة بعدي في ولدي نزار من أعظم الآثام ويعظمون علاء الدين صاحب قلعة ألموت وهي قلعة بالطالقان بناها السلطان ملكشاه السلجوقي وذلك أنه أرسل عقاباً فبرز في مكانها فلما وافى مكانها بنى فيه هذه القلعة وسماها ألموت ومعناه تعليم العقاب‏.‏

وعلاء الدين هذا هو ابن جلال الدين الحسن الملقب بإلكيا وهو من عقب الحسن بن الصباح المقدم ذكره وكان أبوه جلال الدين قد أظهر شعائر الإسلام وكتب بذلك إلى سائر بلاد الإسماعيلية بالعجم والشام فأقيمت فيها ثم توفي بقلعة ألموت المذكورة في سنة ثمان عشرة وستمائة فاستولى ابنه علاء الدين هذا على قلعة ألموت المذكورة وخالف رأي أبيه المذكور إلى مذهب النزارية وصار رأساً من رؤوسهم والتبري منه عندهم من أشد الخطأ‏.‏

واعلم أن أصل هذه الفرقة كانت بالبحرين في المائة الثانية وما بعدها ومنهم كانت القرامطة الذين خرجوا من البحرين حينئذ نسبة إلى رجل منهم اسمه قرمط خرج فيهم وادعى النبوة وأنه أنزل كتاب ثم ظهروا بالمشرق ‏"‏ بأصبهان ‏"‏‏:‏ في أيام السلطان ملكشاه السلجوقي واشتهروا هناك بالباطنية‏:‏ لأنهم يبطنون خلاف ما يظهرون وبالملاحدة‏:‏ لأن مذهبهم كله إلحاد ثم صاروا إلى الشام ونزلوا فيما حول طرابلس وأظهروا دعوتهم هناك وإليهم تنسب قلاع الإسماعيلية المعروفة بقلاع الدعوة فيما حول طرابلس كمصياف والخوابي والقدموس وغيرها‏.‏

ولما افترقوا إلى مستعلوية ونزارية كما تقدم أخذ من منهم ببلاد المشرق بمذهب النزارية عملاً بدعوة ابن الصباح المقدم ذكره وأخذ من منهم بالشام بقلاع الإسماعيلية بمذهب المستعلوية وصاروا شيعة لمن بعد المستعلي من خلفاء الفاطميين بمصر واشتهروا باسم الفداوية ووثبوا على السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بالشام مرات وهو راكب ليقتلوه فلم يتمكنوا منه‏.‏

ثم صالحهم بعد ذلك على قلاعهم بأعمال طرابلس في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة ثم انتموا إلى ملوك مصر في أيام الظاهر بيبرس واشتهروا باسم الفداوية لمفاداتهم بالمال على من يقتلونه‏.‏

وقد ذكر في ‏"‏ مسالك الأبصار ‏"‏ نقلاً عن مقدمهم‏:‏ مبارك بن علوان‏:‏ أن كل من ملك مصر كان مظهراً لهم‏.‏

ولذلك يرون إتلاف نفوسهم في طاعته‏:‏ لما ينتقلون إليه من النعيم الأكبر في زعمهم‏.‏

ورأيت نحو ذلك في ‏"‏ أساس السياسة ‏"‏ لابن ظافر وذكر أنهم يرون أن ملوك مصر كالنواب لأئمتهم‏:‏ لقيامهم مقامهم‏.‏

أما أيمانهم التي يحلفون بها فقد قال فيه ‏"‏ التعريف ‏"‏ جرياً على معتقدهم المتقدم‏:‏ إن اليمين الجامع لهم أن يقول‏:‏ ‏"‏ إنني والله والله الواحد الأحد الفرد الصمد القادر القاهر الذي لا إله إلا هو وحق أئمة الحق وهداة الخلق علياً وبنيه أئمة الظهور والخفاء وإلا برئت من صحيح الولاء وصدقت أهل الأباطيل وقمت مع فرقة الضلال وانتصبت مع النواصب في تقرير المحال ولم أقل بانتقال الإمامة إلى السيد الحسين ثم إلى بنيه بالنص الجلي موصولة إلى جعفر الصادق ثم إلى ابنه إسماعيل صاحب الدعوة الهادية والأثرة الباقية وإلا قدحت في القداح وأثمت الداعي الأول وسعيت في اختلاف الناس عليه ومالأت على السيد المهدي وخذلت الناس عن القائم ونقضت الدولة على المعز وأنكرت أن يوم غدير خم لا يعد في الأعياد وقلت‏:‏ أن لا علم للأئمة بما يكون وخالفت من ادعى لهم العلم بالحدثان ورميت آل بيت محمد بالعظائم وقلت فيهم بالكبائر وواليت أعدائهم وعاديت أولياءهم ‏"‏ قال‏:‏ ثم من هنا تزاد النزارية‏:‏ ‏"‏ وإلا فجحدت أن يكون الأمر صار إلى نزار وأنه أتى حملاً في بطن جارية لخوفه خوض بلاد الأعداء وأن الإسم لم يغير الصورة وإلا طعنت على الحسن ابن الصباح وبرئت من المولى علاء الدين صاحب الألموت ومن ناصر الدين سنان الملقب براشد الدين وكنت أول المعتدين وقلت‏:‏ أن ما رووه كان من الأباطيل ودخلت في أهل الفرية والأضاليل ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وأما من سواهم من الإسماعيلية المنكرين لإمامة نزار فيقال لهم عوض هذا‏:‏ وإلا قلت‏:‏ ‏"‏ إن الأمر صار إلى نزار وصدقت القائلين أنه خرج حملاً في بطن جارية وأنكرت ميتته الظاهرة بالإسكندرية وادعيت أنه لم ينازع الحق أهله ويجاذب الخلافة ربها ووافقت شيعته وتبعت الحسن بن صباح وكنت في النزارية آخر الأدوار ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ ثم يجمعهم آخر اليمين أن يقالوا‏:‏ وإلا قلت مقالة ابن السلار في النفاق وسددت رأي ابن أيوب وألقيت بيدي الراية الصفراء ورفعت السوداء وفعلت في أهل القصر تلك الفعال وتمحلت مثل ذلك المحال‏.‏

قلت‏:‏ ما ذكره في ‏"‏ التعريف ‏"‏ فيما تزاده النزارية‏:‏ ‏"‏ ومن ناصر الدين سنان الملقب براشد الدين ‏"‏ وهم‏:‏ فإن المذكور إنما هو من إسماعيلية الشام الذين هم شيعة المستعلوية لا من الإسماعيلية النزارية الذين هم ببلاد المشرق على ما تقدم بيانه‏.‏

فكان من حقه أن يلحق ذلك بيمين من سواهم من الإسماعيلية الذين هم المستعلوية وكذلك قوله‏:‏ ثم يجمعهم آخر اليمين أن يقال‏:‏ ‏"‏ وإلا قلت مقالة ابن السلار في النفاق وسددت رأي ابن أيوب ‏"‏ إلى آخره فإن ذلك مما يختص بالمستعلوية لأن ابن السلار كان وزير الظافر كما تقدم والظافر من جملة الخلفاء القائمين بمصر بعد المستعلي الذين خالفت النزارية في إمامتهم‏.‏

وكذلك قضية ابن أيوب إنما كانت مع العاضد آخر خلفائهم بمصر وكل ذلك مختص بإسماعيلية الشام الذين هم شيعة المستعلوية دون النزارية وحينئذ فكان من حقه أن يقتصر في زيادة يمين النزارية على آخر ‏"‏ وبرئت من المولى علاء الدين صاحب ألموت ‏"‏ ناصر الدين سنان الملقب براشد الدين وكنت أول المعتدين وقلت إنما رآه كان من الأباطيل ودخلت في أهل الفرية والأضاليل ‏"‏ ثم يقول بعد ذلك‏:‏ ‏"‏ وإلا قلت مقالة ابن السلار في النفاق وسددت رأي ابن أيوب وألقيت بيدي الراية الصفراء ورفعت السوداء وفعلت في أهل القصر تلك الفعال وتمحلت مثل ذلك المحال ‏"‏‏.‏

الفرقة الرابعة من الشيعة الدرزية قال في ‏"‏ التعريف ‏"‏‏:‏ وهم أتباع أبي محمد الدرزي‏.‏

قال في ‏"‏ التعريف ‏"‏ وكان من أهل موالاة الحاكم أبي علي المنصور بن العزيز خليفة مصر‏.‏

قال‏:‏ وكانوا أولاً من الإسماعيلية ثم خرجوا عن كل ما تمحلوه وهدموا كل ما أثلوه وهم يقولون برجعة الحاكم وأن الألوهية انتهت إليه وتدبرت ناسوته وهو يغيب ويظهر بهيئته ويقتل أعداءه قتل إبادة لا معاد بعده بل ينكرون المعاد من حيث هو ويقولون نحو قول الطبائعية‏:‏ إن الطبائع هي المولدة والموت بفناء الحرارة الغريزية كانطفاء السراج بفناء الزيت إلا من اعتبط ويقولون‏:‏ دهر دائم وعالم قائم أرحام تدفع وأرض تبلع بعد أن ذكر أنهم يستبيحون فروج المحارم وسائر الفروج المحرمة وأنهم أشد كفراً ونفاقاً من ثم قال‏:‏ وأصل هذه الطائفة هم الذين زادوا في البسملة أيام الحاكم فكتبوا‏:‏ ‏"‏ باسم الحاكم الله الرحمن الرحيم ‏"‏ فلما أنكر عليهم كتبوا‏:‏ ‏"‏ باسم الله الحاكم الرحمن الرحيم ‏"‏ فجعلوا في الأول الله صفة للحاكم وفي الثاني العكس‏.‏

وذكر أن منهم أهل كسروان ومن جاورهم‏.‏

ثم قال‏:‏ وكان شيخنا ابن تيمية رحمه الله تعالى يرى أن قتالهم وقتال النصيرية أولى من قتال الأرمن‏:‏ لأنهم عدو في دار الإسلام وشر بقاءهم أضر‏.‏

وقد رتب على هذا المعتقد أيمانهم في ‏"‏ التعريف ‏"‏ فقال‏:‏ وهؤلاء أيمانهم‏:‏ ‏"‏ إنني والله وحق الحاكم وما أعتقده في مولاي الحاكم وما اعتقده أبوه محمد الدرزي الحجة الواضحة ورآه الدرزي مثل الشمس اللائحة وإلا قلت‏:‏ إن مولاي الحاكم مات وبلي وتفرقت أوصاله وفني واعتقدت تبديل الأرض والسماء وعود الرمم بعد الفناء وتبعت كل جاهل وحظرت على نفسي ما أبيح لي وعملت بيدي على ما فيه فساد بدني وكفرت بالبيعة المأخوذة وألقيتها ورائي منبوذة ‏"‏‏.‏

الفرقة الخامسة من الشيعة النصيرية بضم النون وفتح الصاد المهملة قال في ‏"‏ ارشاد القاصد ‏"‏‏:‏ وهم أتباع ‏"‏ نصير ‏"‏ غلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهم يدعون ألوهية علي رضي الله عنه مغالاة فيه‏.‏

قال الشهرستاني‏:‏ ‏"‏ ولهم جماعة ينصرون مذهبهم وينوبون عن أصحاب مقالاتهم ‏"‏ قال‏:‏ وبينهم خلاف في كيفية إطلاق الألوهية على الأئمة ‏"‏ من أهل الكتاب ‏"‏ واختلافهم راجع‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

ويزعمون أن مسكن علي السحاب وإذا مر بهم السحاب قالوا‏:‏ السلام عليك يا أبا الحسن ويقولون‏:‏ إن الرعد صوته والبرق ضحكه وهم من أجل ذلك يعظمون السحاب ويقولون‏:‏ إن سلمان الفارسي رسوله وإن كشف الحجاب عما يقوله من أي كتاب بغير إذن ضلال ويحبون ابن ملجم قاتل علي رضي الله عنه ويقولون‏:‏ إنه خلص اللاهوت من الناسوت ويخطئون من يلعنه‏.‏

قال في ‏"‏ التعريف ‏"‏‏:‏ ولهم خطاب بينهم من خاطبوه به لا يعود يرجع عنهم ولا يذيعه ولو ضرب عنقه‏.‏

قال‏:‏ وقد جرب هذا كثيراً وهم ينكرون إنكاره‏.‏

قال في ‏"‏ إرشاد المقاصد ‏"‏‏:‏ وهم يخفون مقالتهم ومن أذاعها فقد أخطأ عندهم ويرون أنهم على الحق وأن مقالتهم مقالة أهل التحقيق ومن أنكر ذلك فقد أخطأ‏.‏

قال في ‏"‏ التعريف ‏"‏‏:‏ ولهم ‏"‏ اعتقاد ‏"‏ في تعظيم الخمر ويرون أنها من النور‏.‏

ولزمهم من ذلك أن عظموا شجرة العنب التي هي أصل الخمر حتى استعظموا قلعها‏.‏

ويزعمون أن الصديق وأمير المؤمنين عثمان رضي الله عنهم تعدوا عليه ومنعوه حقه من الخلافة كما تعدى قابيل بن آدم عليه السلام على أخيه هابيل وكما اعتدى النمرود على الخليل عليه السلام وكما يقوم كل فرعون من الفراعنة على نبي من الأنبياء عليهم السلام‏.‏

قال في ‏"‏ التعريف ‏"‏‏:‏ وهي طائفة ملعونة مرذولة مجوسية المعتقد لا تحرم البنات ولا الأخوات ولا الأمهات‏.‏

قال‏:‏ ويحكى عنهم في هذه حكايات‏.‏

وقد رتب في ‏"‏ التعريف ‏"‏ حلفهم على مقتضى هذا المعتقد فقال‏:‏ وأيمانهم‏:‏ إنني وحق العلي الأعلى وما اعتقده في المظهر الأسنى وحق النور وما نشأ منه والسحاب وساكنه وغلا برئت من مولاي على العلي العظيم وولائي له ومظاهر الحق وكشفت حجاب سلمان بغير إذن وبرئت من دعوة الحجة بصير وخضت مع الخائضين في لعنة ابن ملجم وكفرت بالخطاب وأذعت السر المصون وأنكرت دعوى أهل التحقيق وإلا قلعت أصل شجرة العنب من الأرض بيدي حتى أجتث أصولها وأمنع سبيلها وكنت مع قابيل على هابيل ومع النمرود على إبراهيم وهكذا مع كل فرعون قام على صاحبه إلى أن ألقى العلي العظيم وهو على ساخط وأبرأ من قول قنبر وأقول‏:‏ إنه بالنار ما تطهر‏.‏

القدرية وهم القائلون بأن لا قدر سابق وأن الأمر أنف‏:‏ يعني مستأنفاً ولكنهم لما سمعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ القدرية مجوس هذه الأمة ‏"‏ قلبوا الدليل وقالوا بموجب الحديث وقالوا‏:‏ القدرية اسم لمن يقول بسبق القدر‏.‏

ثم غلب عليهم اسم المعتزلة بواسطة أن واصل بن عطاء أحد أئمتهم كان يقرأ على الحسن البصري فاعتزله بمسألة خالفه فيها‏.‏

وهم يسمون أنفسهم أهل التوحيد وأهل العدل‏.‏

ويعنون بالتوحيد نفي الصفات القديمة عن الله تعالى‏:‏ كالحياة والعلم والإرادة والقدرة وأنه تعالى حي بذاته عالم بذاته مريد بذاته قادر بذاته لا بحياة وعلم وإرادة وقدرة ويعنون بالعدل أنهم يقولون‏:‏ إن العبد إنما يستحق الثواب والعقاب بفعله الطاعة والعصيان وباعتبار أنه الخالق لأفعال نفسه دون الله تعالى تنزيهاً له تعالى عن أن يضاف إليه خلق الشر‏:‏ من كفر ومعصية‏.‏

وإذا كان العبد هو الخالق لأفعال نفسه الموجد لها فليس قدر سابق‏.‏

ولهم أئمة كثيرة لهم مصنفات في الأصول والفروع‏:‏ منهم واصل بن عطاء وأبو الهذيل العلاف وإبراهيم النظام وبشر بن المعتمر ومعمر بن عباد وأبو عثمان الجاحظ وأبو علي الجبائي وابنه أبو هاشم وغيرهم‏.‏

وعندهم أنه لا قدر سابق بل الأمر أنف وأن الله تعالى إنما يخلق الأفعال وممن علت رتبته فيهم الجعد بن درهم اجتمع على مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية وأخذ عنه مروان المذكور الجعدي‏.‏

وكانت له واقعة مع هشام بن عبد الملك بن مروان‏.‏

ويستعظمون الإيمان بالقدر‏:‏ خيره وشره ويتبرؤون منه وينكرون القول بأن ما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه‏.‏

ويقولون‏:‏ إذا كان أمر مفروغ منه ففيم يسدد الإنسان ويقارب‏.‏

ويطعنون في رواة حديث‏:‏ ‏"‏ اعملوا فكل ميسر لما خلق له ‏"‏‏.‏

ويتأولون قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ‏"‏‏.‏

ويستعظمون البراءة من اعتقادهم ولقاء الله تعالى على القول بأن الأمر غير أنف‏.‏

وقد رتب في ‏"‏ التعريف ‏"‏ أيمانهم على هذا المعتقد فقال‏:‏ ويمينهم‏:‏ ‏"‏ والله والله والله العظيم ذي الأمر الأنف خالق الأفعال والمشيئة وإلا قلت‏:‏ بأن العبد غير مكتسب وأن الجعد بن درهم محتقب وقلت‏:‏ إن هشام بن عبد الملك أصاب دماً حلالاً منه وإن مروان بن محمد كان ضالاً في اتباعه وآمنت بالقدر خيره وشره وقلت‏:‏ إن ما أصابني لم يكن ليخطئني وما أخطأني لم يكن ليصيني ولم أقل‏:‏ إنه إذا كان أمر قد فرغ منه ففيم أسدد وأقارب ولم أطعن في رواة حديث ‏"‏ اعملوا فكل ميسر لما خلق له ‏"‏ ولم أتأول معنى قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وأنه الأمر غير أنف‏.‏

وبالله التوفيق والعصمة ‏"‏‏.‏

في الأيمان التي يحلف بها أهل الكفر ممن قد يحتاج إلى تحليفه وهم على ضربين الضرب الأول من زعم منهم التمسك بشريعة نبي من الأنبياء عليهم السلام وهم أصحاب ثلاث ملل الملة الأولى اليهود واشتقاقها من قولهم‏:‏ هاد إذا رجع‏.‏

ولزمها هذا الاسم من قول موسى عليه السلام‏:‏ ‏"‏ إنا هدنا إليك ‏"‏ أي رجعنا وتضرعنا‏.‏

ومنتحلها اليهود المتمسكون بشريعة موسى عليه السلام‏.‏

قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه‏:‏ وهم أعم من بني إسرائيل‏:‏ لأن كثيراً من أجناس العرب والروم وغيرهم قد دخلوا في اليهودية وليسوا من بني إسرائيل‏.‏

وكتابهم الذي يتمسكون به ‏"‏ التوراة ‏"‏ وهو الكتاب الذي أنزل على موسى عليه السلام‏.‏

قال أبو جعفر النحاس في ‏"‏ صناعة الكتاب ‏"‏‏:‏ وهي مشتقة من قولهم‏:‏ ورت ناري ووريت وأوريتها إذا استخرجت ضوءها‏:‏ لأنه قد استخرج بها أحكام شرعة موسى عليه السلام وكان النحاس يجنح إلى أن لفظ التوراة عربي والذي يظهر أنه عبراني معرب‏:‏ لأن لغة موسى عليه السلام كانت العبرانية فناسب أن تكون من لغته التي يفهمها قومه قال الشهرستاني في ‏"‏ النحل والملل ‏"‏‏:‏ وهي أول منزل على بني إسرائيل سمي كتاباً إذ ما قبلها من المنزل إنما كان مواعظ ونحوها‏.‏

قال صاحب حماة‏:‏ وليس فيها ذكر قيامة ولا الدار الآخرة ولا بعث ولا جنة ولا نار وكل وعيد يقع فيها إنما هو بمجازاة دنيوية فيوعدون على مجازاة الطاعة بالنصر على الأعداء وطول العمر وسعة الرزق ونحو ذلك ويوعدون على الكفر والمعصية بالموت ومنع القطر والحميات والحرب وأن ينزل عليهم بدل المطر الغبار والظلمة ونحو ذلك يشهد لما قاله قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ‏"‏ الآية فجعل الظلم سبباً للتحريم‏.‏

قال‏:‏ وليس فيها أيضاً ذم الدنيا ولا طلب الزهد فيها ولا وظيفة صلوات معلومة بل في التوراة الموجودة بأيديهم الآن نسبة أمور إلى الأنبياء عليهم السلام من الأسباط وغيرهم لا تحل حكايتها‏.‏

واعلم أن التوراة على خمسة أسفار‏:‏ أولها - يشتمل على بدء الخليقة والتاريخ من آدم إلى يوسف عليه السلام‏.‏

وثانيها - فيه استخدام المصريين بني إسرائيل وظهور موسى عليه السلام عليهم وهلاك فرعون ونصب قبة الزمان وهي قبة كان ينزل على موسى فيها الوحي وأحوال التيه وإمامة هارون عليه السلام ونزول العشر كلمات في الألواح على موسى عليه السلام وهي شبه مختصر مما في التوراة يشتمل على أوامر ونواه وسماع القوم كلام الله تعالى‏.‏

وقد أخبر الله تعالى عنها بقوله‏:‏ ‏"‏ وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء ‏"‏‏.‏

قال مجاهد‏:‏ وكانت الألواح من زمردة خضراء وقال ابن جبير‏:‏ من ياقوتة حمراء وقال أبو العالية‏:‏ من زبرجد وقال الحسن‏:‏ من خشب نزلت من السماء ويقال‏:‏ إنها كانت لوحين‏.‏

وإنما جاءت بلفظ الجمع‏:‏ لأن الجمع قد يقع على الاثنين كما في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فإن كان له إخوة ‏"‏ والمراد اثنان‏.‏

وثالثها - فيه كيفية تقريب القرابين على سبيل الإجمال‏.‏

ورابعها - فيه عدد القوم وتقسيم الأرض بينهم وأحوال الرسل الذين بعثهم عليه السلام من الشام وأخبار المن والسلوى والغمام‏.‏

وخامسها - فيه أحكام التوراة بتفصيل المجمل وذكر وفاة هارون ثم موسى عليه السلام بعدهما‏.‏

ثم ذكر الشهرستاني وغيره أن في التوراة البشارة بالمسيح عليه السلام ثم بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم إذ قد ورد ذكر ‏"‏ المشيحا ‏"‏ في غير موضع ونه يخرج واحد في آخر الزمان وهو الكوكب المضيء الذي تشرق الأرض بنوره‏.‏

وغير خاف على ذي لب أن المراد بالمشيحا المسيح عليه السلام وأن المراد بالذي يخرج في آخر الزمان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بل ربما وقعت البشارة بهما جميعاً في موضع واحد كما في قوله‏:‏ إن الله تعالى جاء من طور سيناء وظهر من ساعير وعلن بفاران‏.‏

وساعير هي جبال بيت المقدس حيث مظهر المسيح عليه السلام وفاران جبال مكة حيث ظهر النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال الشهرستاني‏:‏ ولما كانت الأسرار الإلهية والأنوار الربانية في الوحي والتنزيل والمناجاة والتأويل على ثلاث مراتب‏:‏ مبدإ ووسط وكمال وكان المجيء أشبه شيء بالمبدإ والظهور أشبه بالوسط والعلن أشبه بالكمال عبر في التوراة عن طهور صبح الشريعة والتنزيل بالمجيء على طور سيناء وعن طلوع شمسها بالظهور على ساعير وعن بلوغ درجة الكمال والاستواء بالعلن على فاران وقد عرفوا النبي صلى الله عليه وسلم بوصفه في التوراة حق المعرفة‏:‏ ‏"‏ فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ‏"‏‏.‏

وقد ذكر المفسرون عن ابن عباس رضي الله عنه أن موسى عليه السلام لما ألقى الألواح عند رجوعه إلى قومه تكسرت فلم يبق منها إلا سدسها‏.‏

ويروى أن التوراة كانت سبعين وسق بعير‏.‏

‏.‏

وأنها رفع منها ستة أسباعها وبقي وليعلم أن اليهود قد افترقوا على طوائف كثيرة المشهور منها طائفتان‏:‏ الطائفة الأولى المتفق على يهوديتهم وهم القراؤون وهم وإن كانوا فرقتين فإنهم كالفرقة الواحدة إذ توراتهم واحدة ولا خلاف في أصل اليهودية بينهم‏.‏

وقد اتفق الجميع على استخراج ستمائة وثلاث عشرة فريضة من التوراة يتعبدون بها‏.‏

ثم كلهم متفقون على نبوة موسى وهارون ويوشع عليهم السلام وعلى نبوة إبراهيم وإسحاق ويعقوب‏:‏ وهو إسرائيل والأسباط‏:‏ وهم بنوه الاثنا عشر الآتي ذكرهم آخراً‏.‏

وهم ينفردون عن الطائفة الثانية الآتي ذكرها‏:‏ وهي السامرة بنبوة أنبياء غير موسى وهارون ويوشع عليهم السلام وينقلون عن يوشع تسعة عشر كتاباً زيادة على التوراة يعبرون عنها بالنبوات تعرف بالأول‏.‏

ثم الربانيون ينفردون عن القرائين بشروح موضوعة لفرائض التوراة المتقدمة الذكر وضعها أحبارهم وتفريعات على التوراة ينقلونها عن موسى عليه السلام‏.‏

ويتفق الربانيون والقراؤون على أنهم يستقبلون صخرة بيت المقدس في صلاتهم يوجهون لها موتاهم وعلى أن الله تعالى كلم موسى عليه السلام على طور سيناء‏:‏ وهو جبل في رأس بحر القلزم في جهة الشمال على رأس جزيرة في آخره داخل بين ذراعين يكتنفانه‏.‏

أحدهما - القول بالظاهر والجنوح إلى التأويل‏.‏

فالقراؤون يقفون مع ظواهر نصوص التوراة فيحملون ما وقع فيها منسوباً إلى الله تعالى‏:‏ من ذكر الصورة والتكلم والاستواء على العرش والنزول على طور سيناء ونحو ذلك على ظواهره كما تقوله الظاهرية من المسلمين وينجرون من ذلك إلى القول بالتشبيه والقول بالجهة‏.‏

والربانيون يذهبون إلى تأويل ما وقع في التوراة من ذلك كله كما تفعل الأشعرية من المسلمين‏.‏

الثاني - القول بالقدر‏.‏

فالربانيون يقولون بأن لا قدر سابق وأن الأمر أنف كما تقوله القدرية من المسلمين‏.‏

والقراؤون يقولون بسابق القدر كما تقوله الأشعرية‏.‏

أما ما عدا ذلك فكلا الفرقين يقولون‏:‏ إن الله تعالى قديم أزلي واحد قادر وإنه تعالى بعث موسى بالحق وشد أزره بأخيه هارون‏.‏

ويعظمون التوراة التي هي كتابهم أتم التعظيم حتى إنهم يقسمون بها كما يقسم المسلمون بالقرآن وكذلك العشر كلمات التي أنزلت على موسى عليه السلام في الألواح الجوهر وقد تقدم أنها مختصر ما في التوراة مشتملة عل أوامر ونواه وسماع كلام الله تعالى وهم يحلفون بها كما يحلفون بالتوراة ويعظمون قبة الزمان وما حوته‏:‏ وهي القبة التي كان ينزل على موسى فيها الوحي‏.‏

ومن أعظم أنواع الكفر عندهم تعبد فرعون وهامان لعنهما الله‏.‏

وكان اسم فرعون موسى فيما ذكره المفسرون الوليد بن مصعب وقيل‏:‏ مصعب بن الريان‏.‏

واختلف فيه‏:‏ فقيل كان من العمالقة وقيل من النبط‏.‏

وقال مجاهد‏:‏ كان فارسياً وهامان وزيره والتبري من إسرائيل وهو يعقوب عليه السلام ومعنى إسرائيل فيما ذكره المفسرون ‏"‏ عبد الله ‏"‏ كأن ‏"‏ إسرا ‏"‏ عبد ‏"‏ وإيل ‏"‏ اسم الله تعالى بالعبرانية‏.‏

وقيل‏:‏ إسرا من السر وكأن إسرائيل هو الذي شدده الله وأتقن خلقه‏.‏

ومن أعظم العظائم عندهم الأخذ بدين النصرانية وتصديق مريم عليها السلام في دعواها أنها حملت من غير أن يمسها بشر ويرمونها بأنها حملت من يوسف النجار وهو رجل من أقاربها كان يخدم البيت المقدس معها ويرون تبرئتها من ذلك جريرة تقترف‏.‏

ويستعظمون الوقوع في أمور‏:‏ منها‏:‏ القول بإنكار طاب الله تعالى لموسى عليه السلام وسماعه له‏.‏

ومنها‏:‏ تعمد طور سيناء الذي كلم الله تعالى موسى عليه بالقاذورات ورمي صخرة بيت المقدس التي هي قبلتهم بالنجاسة ومشاركة بختنصر في هدم بيت المقدس وقتل بني إسرائيل وإلقاء العذرة على مظان أسفار التوراة‏.‏

ومنها‏:‏ الشرب من النهر الذي ابتلى به قوم طالوت ملك بني إسرائيل والميل إلى جالوت ملك الكنعانيين‏:‏ وهو الذي قتله داود عليه السلام ومفارقة شيعة طالوت الذين قاموا معه على جالوت‏.‏

وذلك أنه لما رفعت التوراة وتسلط على بني إسرائيل عدوهم من الكنعانيين الذين ملكهم جالوت كانت النبوة حينئذ فيهم في شمعون وقيل في شمويل وقيل في يوشع بن نون فقالوا له‏:‏ إن كنت صادقاً فابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله فقال لهم ما أخبر الله تعالى به‏:‏ ‏"‏ إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً ‏"‏ ولم يكن من سبط الملك إذ كان الملك من سبط معروف عندهم فقيل‏:‏ كان سقاء وقيل‏:‏ كان دباغاً فأنكروا ملكه عليهم وقالوا كما أخبر الله تعالى‏:‏ ‏"‏ أنى يكون له الملك علينا ‏"‏ الآية فلما فصل طالوت بالجنود أراد الله تعالى أن يريه من يطيعه في القتال ممن يعصيه فسلط عليهم العطش وابتلاهم بنهر من حولهم قيل‏:‏ هو نهر فلسطين وقيل‏:‏ نهر بين الأردن وفلسطين فقال لهم طالوت‏:‏ ‏"‏ لأن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني ‏"‏ إلى قوله‏:‏ ‏"‏ وقتل داود جالوت ‏"‏‏.‏

ومنها‏:‏ إنكار الأنبياء الذين بعثهم الله تعالى إليهم‏:‏ وهم موسى وهارون ويوشع ومن بعدهم‏:‏ من أنبيائهم عليهم السلام ومن قبلهم‏:‏ من إبراهيم وإسحاق ويعقوب صلوات الله عليهم والأسباط الاثني عشر الآتي ذكرهم والدلالة على دانيال النبي عليه السلام حتى قتل وإخبار فرعون مصر بمكان إرمياء النبي عليه السلام عند اختفائه بها والقيام مع البغي والفواجر يوم ومنها‏:‏ القول بأن النار التي أضاءت لموسى عليه السلام العوسج بالطريق عند مسيره من مدين حتى قصدها وكانت وسيلة إلى كلام الله تعالى له نار إفك لا وجود لها وكذلك أخذ الطرق على موسى عليه السلام عند توجهه إلى مدين فاراً من فرعون والقول في بنات شعيب اللاتي سقى لهن موسى عليه السلام بالعظائم ورميهن بالقبيح‏.‏

ومنها‏:‏ الإجلاب مع سحرة فرعون على موسى عليه السلام والقيام معهم في غلبته والتبري ممن آمن منهم بموسى عليه السلام ومنه‏:‏ قول من قال من آل فرعون‏:‏ اللحاق اللحاق‏:‏ لندرك من فر‏:‏ من موسى وقومه عند خروجهم كما أخبر الله تعالى عن ذلك بقوله‏:‏ ‏"‏ فأتبعوهم مشرقين فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون ‏"‏‏.‏

ومنه‏:‏ الإشارة بتخليف تابوت يوسف عليه السلام بمصر حين أراد موسى عليه السلام نقله إلى الشام ليدفنه عند آبائه‏:‏ إبراهيم وإسحاق ويعقوب‏:‏ وذلك أنهم جعلوا تابوته في أحد شفي النيل فأخصب وأجدب الجانب الآخر فحولوه إلى الجانب الآخر فأخصب ذلك الجانب وأجدب الجانب الأول فجعلوه وسط النيل فأخصب جانباه جميعاً إلى أن كان زمن موسى عليه السلام وضرب النيل بعصاه فانفلق عن التابوت فأخذ في نقله إلى الشام ليدفنه عند آبائه كما تقدم ومنها‏:‏ التسليم للسامري وتصديقه على الحوادث التي أحدثها في اليهودية على ما سيأتي ذكره في الكلام على السامرة في الطائفة الثانية من اليهود‏.‏

زمنه‏:‏ نزول أريحا‏:‏ مدينة الجبارين من بلاد فلسطين‏.‏

ومنها‏:‏ الرضا بفعل سكنة سدوم من بلاد فلسطين أيضاً وهم قوم لوط‏.‏

ومنها‏:‏ مخالفة أحكام التوراة التي ورد الحث فيها عليها‏.‏

ومنها‏:‏ استباحة السبت بالعمل فيه والعدو فيه‏:‏ إذ استباحته عندهم توجب هدر دم مستبيحه من حيث إنه مسخ من مسخ باستباحته قردة وخنازير والله تعالى يقول‏:‏ ‏"‏ وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً ‏"‏‏.‏

ومنها‏:‏ إنكار عيد المظلة وهو سبعة أيام أولها الخامس عشر من تشرى وعيد الحنكة وهو ثمانية أيام يوقدون في الليلة الثانية سراجين وهكذا حتى يكون في الليلة الثامنة ثمانية سرج وهما من أعظم أعيادهم‏.‏

ومنها‏:‏ القول بالبداء على الله في الأحكام وهو أن يخطر له غير الخاطر الأول وهو تعالى منزه عن ذلك ورتبوا عليه منع نسخ الشرائع ويزعمون أن النسخ يستلزم البداء وهو مما اتفق كافة اليهود على منعه على ما تقدم أولاً‏.‏

ومنها‏:‏ اعتقاد أن المسيح عليه السلام هو الموعود به على لسان موسى عليه السلام المذكور بلفظ المشيحا وغير ذلك على ما تقدمت الإشارة إليه‏.‏

ومنها‏:‏ الانتقال من دين اليهودية إلى ما سواها من الأديان إذ عندهم أن شريعة موسى عليه السلام هي التي وقع بها الابتداء وبها وقع الاختتام‏.‏

ومنها‏:‏ الانتقال من اليهودية إلى ما عداها من الأديان‏:‏ كالإسلام والنصرانية وغيرهما فإنه يكون بمثابة المرتد عند المسلمين‏.‏

ومنها‏:‏ استباحة لحم الجمل‏:‏ فإنه محرم عندهم ومن استباحه فقد ارتكب محظور عظيماً عندهم وقد دخل ذلك في عموم قوله تعالى إخبار بما حرم عليهم‏:‏ ‏"‏ وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ‏"‏ يعني ما ليس بمنفرج الأصابع كالإبل وما في معناها‏.‏

ومنها‏:‏ استباحة أكل الشحم خلا شحم الظهر وهو ما علا فإنه مباح لهم وعن ذلك أخبر الله تعالى بقوله‏:‏ ‏"‏ ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما ‏"‏‏.‏

ومنها‏:‏ استباحة أكل الحوايا‏.‏

قال ابن عباس وغيره‏:‏ هي المباعر‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ هي ما تحوى من البطن أي استدرار والمراد شحم الثرب‏.‏

وكذلك استباحة ما اختلط من الشحم بعظم وهو شحم الألية وعنه أخبر تعالى بقوله‏:‏ ‏"‏ أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ‏"‏ عطفاً على الشحوم المحرمة‏.‏

على أن بعض المفسرين قد عطف قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ‏"‏ على المستثنى في قوله‏:‏ ‏"‏ إلا ما حملت ظهورهما ‏"‏ فحمله على الاستباحة والموافق لما يدعونه الأول ويرون أن سبب نزول هذه الآية أن اليهود قالوا لم يحرم علينا شيء إنما حرم إسرائيل على نفسه الثرب وشحم الألية فنحن نحرمه فنزلت‏.‏

على أن اليهود القرائين والربانيين يجملونها فيبيعونها ويأكلون ثمنها ويتأولون أن آكل ثمنها غير آكل منها وإلى ذلك الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ قاتل الله اليهود‏!‏ حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها ‏"‏ والسامرة مخالفون في ذلك ويقولون بتحريم الثمن أيضاً على ما سيأتي ذكره‏.‏

وليعلم أن القرائين والربانيين يحرمون من الذبيحة كل ما كانت رئته ملتصقة بقلبه أو بضلعه والسامرة لا يحرمون ذلك‏.‏

ومنها‏:‏ مقالة أهل بابل في إبراهيم عليه السلام وهي قولهم إنه لمن الظالمين في تكسير أصنامهم‏.‏

ومنها‏:‏ أن يحرم الأحبار الذين هم علماؤهم على الواحد منهم بمعنى أنهم يمنعونه من مباحاتهم في المآكل والمشارب والنكاح وغير ذلك حرمة يجمعون عليها وتتأكد بقلب حصر الكنائس عليها إذ من عادتهم أنهم إذا حرموا على شخص وأرادوا التشديد عليه قلبوا حصر الكنائس عند التحريم تغليظاً على المحرم عليه‏.‏

ومنها‏:‏ الرجوع إلى التيه بعد الخروج منه فإنهم إنما خرجوا إليه عند سخط الله تعالى عليهم بمخالفة موسى عليه السلام عند امتناعهم عما أمروا به من قتال الجبارين كما أخبر تعالى عن ذلك بقوله‏:‏ ‏"‏ قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين ‏"‏ قال المفسرون‏:‏ وكان تيههم ستة فراسخ في أربعة فراسخ يمشون كل يوم ويبيتون حيث يصبحون فأمر الله تعالى موسى عليه السلام فضرب الحجر بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً وكانوا اثني عشر سبطاً لكل سبط عين فإذا أخذوا حاجتهم من الماء احتبس وحملوا الحجر معهم وكانت ثيابهم فيما يروى لا تخرق ولا تتدنس وتطول كلما طال الصبيان‏.‏

ومنها‏:‏ تحريم المن والسلوى الذي امتن الله تعالى عليهم به كما أخبر بذلك بقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى ‏"‏‏.‏

ويقال إنه الترنجبين‏.‏

وقال ابن عباس‏:‏ والمراد بالمن الذي يسقط على الشجر وهو معروف‏.‏

قال قتادة‏:‏ كان المن يسقط عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس كسقوط الثلج فيأخذ الرجل منهم ما يكفيه ليومه فإن أخذ أكثر من ذلك فسد‏.‏

وأما السلوى فقيل‏:‏ هي طائر كالسمانى وقال الضحاك‏:‏ هي السمانى نفسها وقال قتادة‏:‏ هو طائر إلى الحمرة كانت تحشره عليهم الجنوب‏.‏

ومنها‏:‏ التبرؤ من الأسباط‏:‏ وهم أولاد يعقوب عليهم السلام وعددهم اثنا عشر سبطاً‏:‏ وهم يوسف وبنيامين ونفتالي وروبيل ويهوذا وشمعون ولاوي ودان وربولي ويشجر وجاد وأشر ومنهم تفرع جميع بني إسرائيل ولد كل منهم أمة من الناس‏.‏

وسموا أسباطاً أخذاً من السبط وهو التتابع إذ هم جماعة متتابعون‏.‏

وقيل‏:‏ من السبط وهو الشجر فالسبط الجماعة الراجعون إلى أصل واحد‏.‏

ومنها‏:‏ القعود عن حرب الجبارين مع القدرة على حربهم‏:‏ وذلك أنهم أمروا بدخول الأرض المقدسة‏:‏ وهي بيت المقدس فيما قاله ابن عباس والسدي وغيرهما والشام فيما قاله قتادة ودمشق وفلسطين وبعض الأردن فيما قاله الزجاج وأرض الطور فيما قاله مجاهد وكان فيها قوم جبارون من العمالقة كما أخبر الله تعالى والجبار هو المتعظم الممتنع من الذل والقهر أخذاً من الإجبار‏:‏ وهو الإكراه كأنه يجبر غيره على ما يريد‏.‏

قال ابن عباس‏:‏ لما بعث موسى عليه السلام من قومه اثني عشر نقيباً ليخبروه خبرهم رآهم رجل من الجبارين فأخذهم في كمه مع فاكهة كان قد حملها من بستانه وجاء بهم إلى الملك فنثرهم بين يديه وقال‏:‏ إن هؤلاء يريدون قتالنا وكان من أمرهم ما قصه الله تعالى في كتابه بقوله‏:‏ ‏"‏ وإذ قال موسى يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ‏"‏‏.‏

فكان في قعودهم عن حرب الجبارين مع القدرة والنشاط مخالفة لما أمروا به‏.‏

وقد رتبوا في ‏"‏ التعريف ‏"‏ أيمان اليهود على هذا المقتضى فقال‏:‏ ويمينهم‏:‏ ‏"‏ إنني والله والله والله العظيم القديم الأزلي الفرد الصمد الواحد الأحد المدرك المهلك باعث موسى بالحق وشاد أزره بأخيه هارون وحق التوراة المكرمة وما فيها وما تضمنته وحق العشر كلمات التي أنزلت على موسى في الصحف الجوهر وما حوته قبة الزمان وإلا تعبدت فرعون وهامان وبرئت من بني إسرائيل ودنت بدين النصرانية وصدقت مريم في دعواها وبرأت يوسف النجار وأنكرت الخطاب وتعمدت الطور بالقاذورات ورميت الصخرة بالنجاسة وشركت بختنصر في هدم بيت المقدس وقتل بني إسرائيل وألقيت العذرة على مظان الأسفار وكنت ممن شرب من النهر ومال إلى جالوت وفارقت شيعة طالوت وأنكرت الأنبياء ودللت على دانيال وأعلمت جبار مصر بمكان إرمياء وكنت مع البغي والفواجر يوم يحيى وقلت‏:‏ إن النار المضيئة من شجرة العوسج نار إفك وأخذت الطرق على مدين وقلت بالعظائم في بنات شعيب وأجبلت مع السحرة على موسى ثم برئت ممن آمن منهم وكنت مع من قال‏:‏ اللحاق اللحاق لندرك من فر وأشرت بتخليف تابوت يوسف في مصر وسلمت إلى السامري ونزلت أريحا مدينة الجبارين ورضيت بفعل سكنة سذوم وخالفت أحكام التوراة واستبحت السبت وعدوت فيه وقلت إن المظلة ضلال وإن الحنكة محال وقلت بالبداء على الله تعالى في الأحكام وأجزت نسخ الشرائع واعتقدت أن عيسى بن مريم المسيح الموعود به على لسان موسى بن عمران وانتقلت عن اليهودية إلى سواها من الأديان واستبحت لحم الجمل والشحم والحوايا أو ما اختلط بعظم وتأولت أن آكل ثمنه غير آكله وقلت مقالة أهل بابل في إبراهيم وإلا أكون محرماً حرمة تجمع عليها الأحبار وتقلب عليها حصر الكنائس ورددت إلى التيه وحرمت المن والسلوى وبرئت من كل الأسباط وقعدت عن حرب الجبارين مع القدرة والنشاط ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ قوله في هذه اليمين في حرمة الشحم وما في معناه‏:‏ وتأولت أن آكل ثمنه غير آكله بمعنى أنه يستعظم الوقوع في تأول ذلك وهو خلاف معتقدهم‏:‏ لأنهم يتأولون أن آكل ثمنه غير آكله كما تقدم عنهم وإنما تمنع ذلك السامرة فكان من حقه أن يورد ذلك في يمين السامرة وأن يقول هنا‏:‏ ولم أتأول أن آكل ثمنه غير آكله فتنبه لذلك‏.‏

واعلم أن أول ما استحدثت هذه الأيمان لأهل دين اليهودية فيما ذكره محمد بن عمر المدائني في كتاب ‏"‏ القلم والدواة ‏"‏ في زمن الفضل بن الربيع وزير الرشيد أحدثها كاتب له قال له‏:‏ كيف تحلف اليهودي قال‏:‏ أقول له‏:‏ وإلا برئت من إلهك الذي لا تعبد غيره ولا تدين إلا له ورغبت عن دينك الذي ارتضيته وجحدت التوراة وقلت‏:‏ إن حمار العزيز راكب جمل موسى ولعنك ثمانمائة حبر على لسان داود وعيسى بن مريم ومسخك الله كما مسخ أصحاب السبت فجعل منهم القردة والخنازير وخالفت ما دونه دانيال وأشلوما ويوحنا ولقيت الله بدم يحيى بن زكريا وهدمت الطور صخرة صخرة وضربت بالناقوس في بيت المقدس وتبرأ منك الأسباط وآباؤهم‏:‏ إسرائيل وإسحاق وإبراهيم وغمست لحية الجاثليق في معمودية النصارى وانقلبت عن السبت إلى الأحد وإلا قدر الله لك أن تلقى الذي يخرج من الماء ليلة السبت وصير الله طعامك لحم الخنزير وكروش الجمال ومعد الخنازير وسلط الله عليك وعلى أهلك بختنصر ثانية يقتل المقاتلة ويسبي الذرية ويخرب المدائن وأراك الله الأيدي التي تنال الركب من قبيل الأسباط وآخذك الله بكل لسان جحدته وبكل آية حرفتها وقلت في موسى الزور وإنه في محل ثبور وفي دار غرور وجحدت إهيا أشر إهيا أصبئوت آل شداء‏.‏

وهذه اليمين لازمة لك ولبنيك إلى يوم القيامة‏.‏

قلت‏:‏ هذه اليمين في غاية الإتقان والتشديد إلا أن قوله‏:‏ وآخذك الله بكل لسان جحدته وبكل آية حرفتها غير مناسب لتحليفهم‏:‏ لأنهم يرون أن لا إثم عليهم في الجحد ولا يعترفون بالتحريف بل ينكرونه‏.‏

على أن أكثرها غير متوارد على اليمين التي أوردها في ‏"‏ التعريف ‏"‏‏:‏ فلو ألحقها بها ملحق في آخرها على صيغة اليمين الأولى من إيرادها بصيغة التكلم مثل أن يقول‏:‏ وإلا برئت من إلهي الذي لا أعبد غيره ولا أدين إلا له وألا رغبت عن ديني الذي ارتضيته وعلى ذلك في الباقي لكان حسناً‏.‏

الطائفة الثانية من اليهود السامرة وهم أتباع السامري الذي أخبر الله تعالى عنه بقوله في سورة الأعراف‏:‏ ‏"‏ وأضلهم السامري ‏"‏‏.‏

قال بعض المفسرين‏:‏ واسمه موسى بن ظفر وكان أصله من قوم يعبدون البقر فرأى جبريل عليه السلام مرة وقد جاء إلى موسى راكباً على فرس الحياة فأخذ قبضة من تراب من تحت حافر فرسه‏.‏

وكان بنو إسرائيل قد خرجوا معهم حلي استعاروه من القبط فأمرهم هارون أن يحفروا حفرة ويلقوا فيها ذلك الحلي حتىيأتي موسى فيرى فيه رأيه فجمعوا ذلك الحلي كله وألقوه في تلك الحفرة فجاء السامري فألقى ذلك التراب عليه وقال له‏:‏ كن عجلاً جسداً له خوار فصار كذلك‏.‏

قال الحسن‏:‏ صار حيواناً لحماً ودماً‏.‏

وقيل‏:‏ بل صار يخور ولم تنقلب عينه‏.‏

فقال لهم السامري‏:‏ هذا إلهكم وإله موسى فعكفوا على عبادته ونهاهم هارون فلم ينتهوا فجاء موسى وحرق العجل وذراه في اليم كما أخبرا عنه بقوله‏:‏ ‏"‏ وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفاً لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفاً ‏"‏‏.‏

فأمروا بتل أنفسهم كما أخبر تعالى بقوله‏:‏ ‏"‏ فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ‏"‏ الآية‏.‏

فقيل منهم سبعون ألفاً ثم رفع عنهم القتل بعد ذلك‏.‏

وقد اختلف في السامرة‏:‏ هل هم من اليهود أم لا والقراؤون والربانيون ينكرون كون السامرة من اليهود‏.‏

وقد قال أصحابنا الشافعية رحمهم الله‏:‏ إنهم إن وافقت أصولهم أصول اليهود فهم منهم حتى يقروا بالجزية وإلا فلا‏.‏

ثم السامرة لهم توراة تختصهم غير التوراة التي بيد القرائين والربانيين والتوراة التي بيد النصارى وهم ينفردون عن القرائين والربانيين بإنكار نبوة من بعد موسى ما عدا هارون ويوشع عليهما السلام ويخالفونهم أيضاً في استقبال صخرة بيت المقدس ويستقبلون طور نابلس ويوجهون إليه موتاهم زاعمين أنه الذي كالم الله تعالى موسى عليه ويزعمون أن الله تعالى أمر داود عليه السلام ببناء بيت المقدس عليه فخالف وبناه في بالقدس‏:‏ قاتلهم الله أنى يؤفكون‏.‏

وهم قائلون أيضاً‏:‏ إن الله تعالى هو خالق الخلق الباريء لهم وإنه قادر قديم أزلي‏.‏

ويوافقون على نبوة موسى وهارون عليهما السلام وأن الله تعالى أنزل عليه التوراة إلا أن لهم توراة تخصهم تخالف توراة القرائين والربانيين المتقدمة الذكر وأنه أنزل عليه أيضاً الألواح الجوهر المتضمنة للعشر كلمات المتقدمة الذكر ويقرون أن الله تعالى هو الذي أنقذ بني إسرائيل من فرعون ونجاهم من الغرق ويقولون‏:‏ أنه نصب طور نابلس المقدم ذكره قبلة للمتعبد‏.‏

ويستعظمون الكفر بالتوراة التي هم يعترفون بها والتبري من موسى عليه السلام دون غيره من بني إسرائيل ويعظمون طورهم طور نابلس المقدم ذكره ويستعظمون دكه وقلع آثار البيت الذي عمر به ويستعظمون استباحة السبت كغيرهم من اليهود ويوافقون القرائين في الوقت مع ظواهر نصوص التوراة ويمنعون القول بالتأويل الذاهب إليه الربانيون من اليهود وينكرون صحة توراة القرائين والربانيين ويجعلون الاعتماد على توراتهم ويقولون‏:‏ لا مساس‏:‏ بمعنى أنه لا يمس أحداً ولا يمسه‏.‏

قال في ‏"‏ الكشاف ‏"‏‏:‏ كان إذا مس أحداً أو مسه أحد حصلت الحمى للماس والممسوس وقد أخبر الله تعالى عن ذلك بقوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام للسامري ‏"‏ اذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس ‏"‏ ويحرمون من الذبائح‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

ويحزمون أكل اللحم مختلطاً بلبن زاعمين أن في توراتهم النهي عن أكل لحم الجدي بلبن أمه ويستعظمون السعي إلى الخروج إلى الأرض التي حرم عليهم سكناها وهي مدينة أريحا‏.‏

ومن أكبر الكبائر عندهم وطء المرأة الحائض والنوم معها في مضجع واحد لا سيما إذا فعل ذلك مستبيحاً له‏.‏

ومن أعظم العظائم عندهم إنكار خلافة هارون عليه السلام والأنفة من كونها‏.‏

وقد رتب في ‏"‏ التعريف ‏"‏ يمينهم على مقتضى ذلك فذكر أن يمينهم‏:‏ ‏"‏ إنني والله والله والله العظيم الباريء القادر القاهر القديم الأزلي رب موسى وهارون منزل التوراة والألواح الجوهر منقذ بني إسرائيل وناصب الطور قبلة للمتعبدين وإلا كفرت بما في التوراة وبرئت من نبوة موسى وقلت‏:‏ إن الإمامة في غير بني هارون ودكيت الطور وقلعت بيدي أثر البيت المعمور واستبحت حرمة السبت وقلت بالتأويل في الدين وأقررت بصحة توراة اليهود وأنكرت القول بأن لا مساس ولم أتجنب شيئاً من الذبائح وأكلت الجدي بلبن أمه وسعيت في الخروج إلى الأرض المحظور علي سكنها وأتيت النساء الحيض زمان الطمث مستبيحاً لهن وبت معهن في المضاجع وكنت أول كافر بخلافة هارون وأنفت منها أن تكون‏.‏

الملة الثالثة ممن تدعو الضرورة إلى تحلفه النصرانية وقد اختلف في اشتقاقها فقيل‏:‏ أخذاً من قول المسيح للحواريين‏:‏ ‏"‏ من أنصاري إلى الله ‏"‏‏.‏

وقيل‏:‏ من نزوله هو وأمه - بعد عودها من مصر - بالناصرة‏:‏ وهي قرية من بلاد فلسطين من الشام‏:‏ وقيل غير ذلك‏.‏

والنصارى - هم أمة عيسى عليه السلام وكتابهم الإنجيل‏.‏

وقد اختلف في اشتقاقه على ثلاثة وذاهب حكاها أبو جعفر النحاس في ‏"‏ صناعة الكتاب ‏"‏‏:‏ أحدها - أنه مأخوذ من قولهم‏:‏ نجلت الشيء إذا أخرجته بمعنى أنه خرج به دارس من الحق‏.‏

والثني - أنه مأخوذ من قولهم‏:‏ تناجل القوم إذا تنازعوا لأنه لم يقع في كتاب من الكتب المنزلة مثل التنازع الواقع فيه‏.‏

قاله أبو عمرو الشيباني‏.‏

والثالث - أنه مأخوذ من النجل بمعنى الأصل‏:‏ لأنه أصل العلم الذي أطلع الله تعالى فيه خليقته عليه ومنه قيل للوالد نجل‏:‏ لأنه أصل لولده‏.‏

ثم ذكر هذه الاشتقاقات جنوح من قائلها إلى أن لفظ الإنجيل عربي والذي يظهر أنه عبراني‏:‏ لأن لغة عيسى عليه السلام كانت العبرانية وقد قال صاحب ‏"‏ إرشاد المقاصد ‏"‏‏:‏ إن معنى الإنجيل عندهم البشارة‏.‏

واعلم أن النصارى بجملتهم مجمعون على أن مريم حملت بالمسيح عليه السلام وولدته ببيت لحم من بلاد القدس من الشام وتكلم بالمهد وإن اليهود حين أنكروا على مريم عليها السلام ذلك فرت بالمسيح عليه السلام إلى مصر ثم عادت به إلى الشام وعمره اثنتا عشرة سنة فنزلت به القرية المسماة ناصرة المقدم ذكرها وأنه في آخر أمره قبض عليه اليهود وسعوا به إلى عامل قيصر ملك الروم على الشام فقتله وصلبه يوم الجمعة وأقام على الخشبة ثلاث ساعات ثم استوهبه رجل من أقارب مريم اسمه يوسف النجار من عامل قيصر ودفنه في قبر كان أعده لنفسه في مكان الكنيسة المعروفة الآن بالقمامة بالقدس وأنه مكث في قبره ليلة السبت ونهار السبت وليلة الأحد ثم قام من صبيحة يوم الأحد ثم رآه بطرس الحواري وأوصى إليه وأن أمه جمعت له الحواريين فبعثهم رسلاً إلى الأقطار للدعاية إلى دينه وهم في الأصل اثنا عشر حوارياً‏:‏ بطرس ‏"‏ ويقال له‏:‏ سمعان وشمعون الصفا أيضاً ‏"‏ وأندراوس وهو أخو بطرس المقدم ذكره ويعقوب بن زيدي ويوحنا الإنجيلي وهو أخو أندراوس وفيلبس وبرتلوماوس وتوما‏:‏ ويعرف بتوما الرسول ومتى ويعرف بمتى العشار ويعقوب بن حلفا وسمعان القناني ‏"‏ ويقال له شمعون أيضاً ‏"‏ وبولس ‏"‏ ويقال له تداوس ‏"‏ وكان اسمه في اليهودية شاول ويهوذا الأسخريوطي ‏"‏ وهو الذي دل يهود على المسيح حتى قبضوا عليه بزعمهم ‏"‏ وقام مقامه بنيامين ويقولون‏:‏ إنه بعد أن بعث من بعث من الحواريين صعد إلى السماء‏.‏

وهم متفقون على أن أربعة من الحواريين تصدوا لكتابة الإنجيل‏:‏ وهم بطرس ومتى ولوقا ويوحنا فكتبوا في سيرة المسيح من حين ولادته إلى حين رفعه وكتب كل منهم نسخة على ترتيب خاص بلغة من اللغات‏.‏

فكتب بطرس إنجيله باللغة الرومية في مدينة رومية قاعدة بلاد الروم ونسبه إلى تلميذه مرقس أول بطاركة الإسكندرية ولذلك يعرف بمرقس الإنجيلي وقيل‏:‏ إن الذي كتبه مرقس نفسه‏.‏

وكتب متى إنجيله بالعبرانية في بيت المقدس ونقله بعد ذلك يوحنا بن زيدي إلى اللغة الرومية‏.‏

وبعث به إلى بعض أكابر الروم وقيل‏:‏ بل كتبه باليونانية بمدينة أفسس وقيل مدينة رومية‏.‏

قال الشهرستاني‏:‏ وخاتمة إنجيل متى‏:‏ ‏"‏ إني أرسلكم إلى الأمم كما أرسلني أبي إليكم فاذهبوا وادعوا الأمم باسم الأب والابن وروح القدس ‏"‏ ثم اجتمع برومية من توجه إليها من الحواريين ودنوا قوانين دين النصرانية على يد أقليمش تلميذ بطرس الحواري وكتبوا عدد الكتب التي يجب قبولها والعمل بمقتضاها وهي عدة كتب‏:‏ منها الأناجيل الأربعة المتقدمة الذكر والتوراة التي بأيديهم وجملة كتب من كتب الأنبياء الذين قبل المسيح عليه السلام كيوشع بن نون وأيوب وداود وسليمان عليهم السلام وغيرهم‏.‏

ثم لما مات الحواريون أقام النصارى لهم خلائف عبر عنهم بالبطاركة جمع بطرك وهي كلمة يونانية مركبة من لفظين أحدهما ‏"‏ بطر ‏"‏ ومعناه‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

والثانية ‏"‏ يرك ‏"‏ ومعناه‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

ورأيت في ترسل العلاء بن موصلايا‏:‏ كاتب القائم بأمر الله العباسي ‏"‏ فطرك ‏"‏ بإبدال الباء فاء والعامة يقولون‏:‏ ‏"‏ بترك ‏"‏ بإبدال الطاء تاء وهو عندهم خليفة المسيح والقائم بالدين فيهم‏.‏

وقد كان لبطاركتهم في القديم خمسة كراسي لكل كرسي منها بطرك‏.‏

الأول منها بمدينة رومية والقائم به خليفة بطرس الحواري المتوجه إليها بالبشارة والثاني بمدينة الإسكندرية والقائم به خليفة مرقس تلميذ بطرس الحواري المقدم ذكره وخليفته بها والثالث بمدينة بزنطية‏:‏ وهي القسطنطينية والرابع بمدينة أنطاكية من العواصم التي هي في مقابلة حلب الآن والخامس بالقدس‏.‏

وكان أكبر هذه الكراسي الخمسة كرسي رومية لكونه محل خلافة بطرس الحواري ثم كرسي الإسكندرية لكونه كرسي مرقس خليفته‏.‏

ثم اصطلحوا بعد ذلك على أسماء وضعوها على أرباب وظائف دياناتهم فعبروا عن صاحب المذهب بالبطريق وعن نائب البطرك بالأسقف وقيل الأسقف عندهم بمنزلة المفتي وعن القاضي بالمطران وعن القاريء بالقسيس وعن صاحب الصلاة وهو الإمام بالجاثليق وعن قيم الكنيسة بالشماس وعن المنقطع إلى المولى للعبادة بالراهب‏.‏

وكانت الأساقفة يسمون البطرك أباً والقسوس يسمون الأسقف أباً فوقع الاشتراك عندهم في اسم الأب فوقع اللبس عليهم فاخترعوا لبطرك الإسكندرية اسم الباب ويقال فيه البابا بزيادة ألف والبابه بإبدال الألف هاء ومعناه عندهم أبو الآباء‏:‏ لتمييز البطرك عن الأسقف فاشتهر بهذا الاسم ثم نقل اسم الباب إلى بطرك رومية لكونه خليفة بطرس الحواري وبفي اسم البطرك على بطرك الإسكندرية وغيره من أصحاب الكراسي‏.‏

واعلم أن النصارى مجمعون على أن الله تعالى واحد بالجوهر ثلاثة بالأقنومية ويفسرون الجوهر بالذات والأقنومية بالصفات‏:‏ كالوجود والعلم والحياة ويعبرون عن الذات مع الحياة بروح القدس ويعبرون عن الإله باللاهوت وعن الإنسان بالناسوت ويطلقون العلم على الكلمة التي ألقيت إلى مريم عليها السلام فحملت منها بالمسيح عليه السلام ويخصونه بالاتحاد دون غيره من الأقانيم‏.‏

واجتمع منهم ثلثمائة وثمانية عشر وقيل وسبعة عشر أسقفاً من أساقفتهم بمدينة نيقية من بلاد الروم بحضرة قسطنطين ملك الروم عند ظهور أريوش الأسقف وقوله‏:‏ إن المسيح مخلوق وإن القديم هو الله تعالى وألفوا عقيدة استخرجوها من أناجيلهم لقبوها بالأمانة من خرج عنها خرج عن دن النصرانية ونصها على ما ذكره الشهرستاني في ‏"‏ النحل والملل ‏"‏ وابن العميد مؤرخ النصارى في تاريخه ما صورته‏:‏ ‏"‏ نؤمن بالله الواحد الأب مالك كل شيء وصانع ما يرى وما لا يرى وبالابن الواحد أيشوع المسيح ابن الله بكر الخلائق كلها وليس بمصنوع إله حق من إله حق من جوهر أبيه الذي بيده أتقنت العوالم وكل شيء الذي من أجلنا ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد بروح القدس وولد من مريم البتول وصلب أيام فيلاطوس ودفن ثم قام في اليوم الثالث وصعد إلى السماء وجلس عن يمين أبيه وهو مستعد للمجيء تارة أخرى للقضاء بين الأموات والأحياء‏.‏

ونؤمن بروح القدس الواحد الحي الذي يخرج من أبيه وبمعمودية واحدة لغفران الخطايا وبجماعة واحدة قدسية مسيحية جاثليقية وبقيام أبداننا وبالحياة الدائمة أبد الآبدين‏.‏

ووضعوا معها قوانين لشرائعهم سموها الهيمانوت‏.‏

ثم اجتمع منهم جمع بقسطنطينية عند دعوى مقدونيوس المعروف بعدو روح القدس وقوله‏:‏ إن روح القدس مخلوق وزادوا في الأمانة المتقدمة الذكر ما نصه‏:‏ ‏"‏ ونؤمن بروح القدس المحيي المنبثق من الأب ‏"‏ ولعنوا من يزيد بعد ذلك على كلام الأمانة أو ينقص منها‏.‏

وافترق النصارى بعد ذلك إلى فرق كثيرة المشهور منها ثلاث فرق‏:‏ الفرقة الأولى الملكانية قال الشهرستاني‏:‏ وهم أتباع ملكان الذي ظهر ببلاد الروم ومقتضى ذلك أنهم منسوبون إلى مركان قيصر أحد قياصرة الروم من حيث إنه كان يقوم بنصرة مذهبهم فقيل لهم مركانية ثم عرب ملكانية ومعتقدهم أن جزءاً من اللاهوت حل في الناسوت ذاهبين إلى أن الكلمة وهي أقنوم العلم عندهم اتحدت بجسد المسيح وتدرعت بناسوته ومازجته ممازجة الخمر اللبن أو الماء اللبن لا يسمون العلم قبل ترعه ابناً بل المسيح وما تدرع به هو الابن ويقولون‏:‏ إن الجوهر غير الأقانيم كما في الموصوف والصفة مصرحين بالتثليث قائلين بأن كلاً من الأب والابن وروح القدس إله وإليهم وقعت الإشارة بقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ‏"‏‏.‏

وهم يقولون‏:‏ إن المسيح قديم أزلي من قديم أزلي وإن مريم ولدت إلهاً أزلياً فيطلقون الأبوة والبنوة على الله تعالى وعلى المسيح حقيقة متمسكين بظاهر ما يزعمون أنه وقع في الإنجيل من ذكر الأب والابن‏:‏ ‏"‏ تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً أن دعوا للرحمن ولداً وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً ‏"‏‏.‏

ثم هم يقولون‏:‏ إن المسيح ناسوت كلي لا جزئي وإن القتل والصلب وقعا على الناسوت واللاهوت معاً كما نقله الشهرستاني في ‏"‏ النحل والملل ‏"‏ وإن كان الشيخ شمس الدين بن الأكفاني في كتابه ‏"‏ إرشاد القاصد ‏"‏ قد وهم فنقل عنهم القول بأن الصلب وقع على الناسوت دون اللاهوت‏.‏

ومن معتقدهم أيضاً أن المعاد والحشر يكون بالأبدان والأرواح جميعاً كما تضمنته الأمانة المتقدمة وأن في الآخرة التلذذات الجسمانية بالأكل والشرب والنكاح وغير ذلك كما يقوله المسلمون‏.‏

ومن فروعهم أنهم لا يختتنون وربما أكل بعضهم الميتة‏.‏

وممن تمذهب بمذهب الملكانية الروم والملكانية يدينون بطاعة الباب‏:‏ وهو بطرك رومية المقدم ذكره قال في ‏"‏ الروض المعطار ‏"‏‏:‏ من قاعدة الباب أنه إذا اجتمع به ملك من ملوك النصارى ينبطح على بطنه بين يديه ولا يزال يقبل رجليه حتى يكون هو الذي يأمره بالقيام‏.‏

الفرقة الثانية اليعقوبية وهم أتباع ديسقرس بطرك الإسكندرية في القديم‏:‏ وهو الثامن من بطاركتها من حين بطركية مرقس الإنجيلي نائب بطرس الحواري بها‏.‏

قال ابن العميد في تاريخه‏:‏ وسمي أهل مذهبه يعقوبية‏:‏ لأن اسمه كان في الغلمانية يعقوب‏.‏

وقيل‏:‏ بل كان له تلميذ اسمه يعقوب فنسبوا إليه‏.‏

وقيل‏:‏ بل كان شاويرش بطرك أنطاكية على رأي ديسقرس وكان له غلام اسمه يعقوب فكان يبعثه إلى أصحابه‏:‏ أن اثبتوا على أمانة ديسقرس فنسبوا إليه‏.‏

وقيل‏:‏ بل نسبوا إلى يعقوب البردغاني تلميذ سويرس بطرك أنطاكية وكان راهباً بالقسطنطينية فكان يطوف في البلاد ويدعو إلى مذهب ديسقرس‏.‏

قال ابن العميد‏:‏ وليس ذلك فإن اليعاقبة ينسبون إلى ديسقرس قبل ذلك بكثير ومعتقدهم أن الكلمة انقلبت لحماً ودماً فصار الإله هو المسيح‏.‏

ثم منهم من قال إن المسيح هو الله تعالى‏.‏

قال المؤيد صاحب حماة‏:‏ ويقولون مع ذلك إنه قتل وصلب ومات وبفي العلم ثلاثة أيام بلا مدبر‏.‏

ومنهم من يقول‏:‏ ظهر اللاهوت بالناسوت فصار ناسوت المسيح مظهر الحق لا على طريق حلول جزء فيه ولا على سبيل اتحاد الكلمة التي هي في حكم الصفة بل صار هو هو كما يقال‏:‏ ظهر الملك بصورة إنسان وظهر الشيطان بصورة حيوان وكما أخبر التنزيل عن جبريل عليه السلام بقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فتمثل لها بشراً سوياً ‏"‏‏.‏

وأكثرهم يقول‏:‏ إن المسيح جوهر واحد إلا أنه من جوهرين وربما قالوا طبيعة واحدة من طبيعتين‏.‏

فجوهر الإله القديم وجوهر الإنسان المحدث تركبا تركب النفس والبدن فصارا جوهراً واحداً أقنوماً واحداً وهو إنسان كله وإله كله فيقال‏:‏ الإنسان صار إلهاً ولا ينعكس فلا يقال‏:‏ الإله صار إنساناً كالفحمة تطرح في النار فيقال‏:‏ صارت الفحمة ناراً ولا يقال‏:‏ صارت النار فحمة وهي في الحقيقة لا نار مطلقة بل هي جمرة‏.‏

ويقولون‏:‏ إن الكلمة اتحدت بالإنسان الجزئي لا الكلي وربما عبروا عن الاتحاد بالامتزاج والادراع والحلول كحلول صورة الإنسان في المرآة‏.‏

ومنهم من يقول‏:‏ عن الكلمة لم تأخذ من مريم شيئاً لكنها مرت بها كمرور الماء بالميزاب وإن ما ظهر من شخص المسيح عليه السلام في الأعين هو كالخيال والصورة في المرآة وإن القتل وزعم آخرون منهم أن الكلمة كانت تداخل جسد المسيح أحياناً فتصدر عنه الآيات‏:‏ من إحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص وتفارقه في بعض الأوقات فترد عليه الآلام والأوجاع‏.‏

ثم هم يقولون‏:‏ إن المعاد إنما هو روحاني فيه لذة وراحة وسرور ولا أكل ولا شرب ولا نكاح‏.‏

ومن فروعهم أنهم يختتنون ولا يأكلون إلا بعد التذكية‏.‏

وقد حكى ابن العميد مؤرخ النصارى أن ديسقرس صاحب مذهب اليعقوبية حين ذهب إلى ما ذهب‏:‏ من مذهبه المقدم ذكره رفع أمره إلى مركان قيصر الروم يومئذ فطلبه إلى مدينة خلقدونية من بلاد الروم وجمع له ستمائة وأربعة وثلاثين أسقفاً وناظروه بحضرة الملك فسقط في المناظرة فكلمته زوجة الملك فأساء الرد فلطمته بيدها وتناوله الحاضرون بالضرب وأمر بإخراجه فسار إلى القدس فأقام به وأتبعه أهل القدس وفلسطين ومصر والإسكندرية وقد أتبعه على ذلك أيضاً النوبة والحبشة وهم على ذلك إلى الآن‏.‏

الفرقة الثالثة النسطورية ومقتضى كلام ابن العميد أنهم أتباع نسطوريوس بطرك القسطنطينية‏.‏

ويحكى عنه أن من مذهبه أن مريم عليها السلام لم تلد إلهاً وغنما ولدت إنساناً وإنما اتحد في المشيئة لا في الذات وأنه ليس إلهاً حقيقة بل بالموهبة والكرامة‏.‏

ويقولون بجوهرين وأقنومين وإن كرلس بطرك الإسكندرية وبطرك رومية خالفاه في ذلك فجمعا له مائتي أسقف بمدينة أفسس وأبطلوا مقالة نسطوريوس وصرحوا بكفره فنفي إلى إخميم من صعيد مصر ومات بها‏.‏

فظهر مذهبه في نصارى المشرق‏:‏ من الجزيرة الفراتية والموصل والعراق وفارس‏.‏

والذي ذكره الشهرستاني في ‏"‏ النحل والملل ‏"‏ انهم منسوبون إلى نسطور الحكيم الذي ظهر في زمان المأمون وتصرف في الأناجيل بحكم رأيه وقال‏:‏ إن الله تعالى واحد ذو أقانيم ثلاثة‏:‏ الوجود والعلم والحياة وإن هذه الأقانيم ليست بزائدة على الذات ولا هي هي وإن الكلمة اتحدت بجسد المسيح عليه السلام لا على طريق الظهور كما قالته اليعقوبية ولكن كإشراق الشمس في كوة أو كظهور النقش في الخاتم قال الشهرستاني‏:‏ ويعني بقوله إنه واحد بالجوهر أنه ليس مركباً من جنس بل هو بسيط واحد‏.‏

ويعني بالحياة والعلم أقنومين جوهرين أي أصلين مبدأين للعالم‏.‏

قال‏:‏ ومنهم من يثبت لله تعالى صفات زائدة على الوجود والحياة والعلم‏:‏ كالقدرة والإرادة ونحوهما‏.‏

ومنهم من يطلق القول بأن كل واحد من الأقانيم الثلاثة حي ناطق إله ومنهم من يقول‏:‏ إن الإله واحد وإن المسيح ابتدأ من مريم عليها السلام وإنه عبد صالح مخلوق خلقه الله تعالى وسماه ابناً على التبني لا على الولادة والاتحاد‏.‏

ثم هم يخالفون في القتل والصلب مذهب الملكانية واليعقوبية جميعاً فيقولون‏:‏ القتل والصلب وقعا على المسيح من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته‏:‏ لأن الإله لا تحله الآلام‏.‏

قال صاحب حماة‏:‏ وهم عند النصارى كالمعتزلة عندنا‏.‏

وليعلم أن للنصارى أشياء يعظمونها وأشياء يستعظمون الوقوع فيها‏.‏

فأما التي يعظمونها فإنهم يعظمون المسيح عليه السلام حتى انتهوا فيه إلى ما انتهوا‏:‏ من دعوة الألوهية والبنوة لله سبحانه تعالى الله عما يشركون واسمه عنهم أيشوع فعرب عيسى وإنما سمي المسيح لكونه ممسوح القدمين لا أخمص له‏.‏

ويعظمون مريم عليها السلام لولادتها المسيح عليه السلام ويعبرون عنها بالسيدة وبالبتول وبالعذراء‏.‏

ويعظمون مريحنا المعمدان وهم عندهم يحيى بن زكريا عليه السلام ومعنى ‏"‏ مر ‏"‏ السيد و ‏"‏ يحنا ‏"‏ يعني يحيى ويسمونه المعمدان لأنهم يزعمون أن مريم عليها السلام حين عودها من مصر إلى الشام ومعها السيد المسيح تلقاه يحيى عليه السلام فعمده في نهر الأردن من بلاد فلسطين يعني غمسه فيه ويجعلون ذلك أصلاً للمعمودية‏:‏ وهو الماء الذي يغمسون فيه عند تنصرهم ويقولون‏:‏ إنه لا يصح تنصر نصراني دون تعمد ولماء المعمودية بذلك عندهم من التعظيم ما لا فوقه‏.‏

وبعضهم يقول‏:‏ إن المراد بمريحنا المعمدان غير يحيى بن زكريا عليهما ويعظمون الحواريين‏:‏ وهم أصحاب المسيح عليه السلام‏.‏

وقد تقدم أن عدتهم اثنا عشر حوارياً ومعنى الحواري الخاص ومنه قيل للدقيق الناصع البياض دقيق حوارى سموا بذلك لأن المسيح عليه السلام استخلصهم لنفسه‏.‏

ويعظمون البطاركة لأنهم خلفاء الدين عندهم ويرون لهم من الحرمة ما لدين النصرانية عندهم من الحرمة بل يجعلون أمر التحليل والتحريم منوطاً بهم حتى لو حرم البطرك على أحدهم زوجته لم يقربها حتى يحلها له‏.‏

وسيأتي ما لبطرك اليعقوبية عند صاحب الحبشة من الحرمة عند ذكر المكاتبة إليه فيما بعد إن شاء الله تعالى‏.‏

وكذلك يعظمون أرباب الوظائف الدينية عندهم‏:‏ من البطريق والأسقف والمطران والقسيس والشماس والراهب وقد تقدم تفسيرهم فيما مر ويعظمون يوسف النجار‏:‏ وهو قريب لميم عليها السلام يقال‏:‏ إنه ابن عمها كان معها في خدمة بيت المقدس وهو الذي استوهب المسيح بعد الصلب بزعمهم حتى دفنه‏.‏

واليهود يرمون مريم عليها السلام معه بالفجور على ما تقدم‏.‏

ويعظمون مريم المجدلانية المقدم ذكرها ويزعمون أنها‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

أخرج منها سبعة شياطين وأنها أول من رأى المسيح حين قام من قبره‏.‏

ومن عادتهم أنه إذا مات منهم أحد ممن يعتقدون صلاحه صوروا صورته في حيطان كنائسهم ودياراتهم يتبركون بها‏.‏

ويعظمون قسطنطين بن قسطنطين ملك الروم وذلك أنه أول من أخذ بدين النصرانية من الملوك وحمل على الأخذ به‏.‏

وقد اختلف في سبب ذلك فقيل‏:‏ إنه كان يحارب أمة البرجان بجواره وقد أعجزه أمرهم فرأى في المنام كأن ملائكة نزلت من السماء ومعها أعلام عليها صلبان فعمل على مثالها وحاربهم بها فظهر عليهم‏.‏

وقيل بل رأى صورة صليب في السماء‏.‏

وقيل‏:‏ بل حماته أمه هيلاني على ذلك‏.‏

ويعظمون هيلاني أم قسطنطين المقدم ذكره ويقولون‏:‏ إنها رحلت من قسطنطينية إلى القدس وأتت إلى محل الصلب بزعمهم فوقفت وبكت ثم سألت عن خشبة الصلب فأخبرت أن اليهود دفنوها وجعلوا فوقها القمامات والنجاسات فاستعظمت ذلك واستخرجتها وغسلتها وطيبتها وغشتها بالذهب وألبستها الحرير وحملتها معها إلى القسطنطينية للتبرك وبنت مكانها كنيسة وهي المسماة الآن بالقمامة أخذاً من اسم القمامة التي كانت موضوعة هناك‏.‏

ويعظمون من الأمكنة بيت لحم حيث مولد المسيح عليه السلام وكنيسة قمامة حيث قبره وموضع خشبة الصلب التي استخرجتها هيلاني أم قسطنطين بزعمهم‏.‏

وكذلك يعظمون سائر الكنائس‏:‏ وهي أمكنة عباداتهم كالمساجد للمسلمين‏.‏

وأصلها في اللغة مأخوذ من قولهم‏:‏ كناس الظبي‏:‏ وهو المكان الذي يستتر فيه سميت بذلك لاستتارهم فيها حال عبادتهم عن أعين الناس‏.‏

وكذلك يعظمون الديارات‏:‏ وهي أمكنة التخلي والاعتزال كالزوايا للمسلمين‏.‏

ويعظمون المذبح‏:‏ وهو مكان يكون في الكنيسة يقربون عنده القرابين ويذبحون الذبائح ويعتقدون أن كل ما ذبح عليه من القربان صار لحمه ودمه هو لحم المسيح ودمه حقيقة‏.‏

ويعظمون من الأزمنة أعيادهم الآتي ذكرها عند ذكر أعياد الأمم‏:‏ كعيد الغطاس من أعيادهم الكبار وموقعه الحادي عشر من طوبه من شهور القبط وعيد السيدة من أعيادهم الصغار وموقعه في الحادي والعشرين من بؤونه منها وعيد الصليب وموقعه عندهم في السابع عشر من توت إلى غير ذلك من الأعياد الآتي ذكرها مع أعياد الأمم في الكلام على الأزمنة من هذه المقالة إن شاء الله تعالى‏.‏

وأما الأشياء التي يتعبدون بها فإنهم يصلون سبع صلوات في اليوم والليلة وهي‏:‏ الفجر والضحى والظهر والعصر والمغرب والعشاء ونصف الليل ويقرؤون في صلاتهم بمزامير داود عليه السلام كما تفعل اليهود‏.‏

والسجود في صلاتهم غير محدود العدد بل قد يسجدون في الركعة الواحدة خمسين سجدة‏.‏

وهم يتوضؤن للصلاة ولا يغتسلون من الجنابة وينكرون الطهر للصلاة على المسلمين وعلى اليهود ويقولون‏:‏ الأصل طهارة القلب‏.‏

وإذا أرادوا الصلاة ضربوا بالناقوس وهو خشبة مستطيلة نحو الذراع يضرب عليها بخشبة لطيفة فيجتمعون‏.‏

وهم يستقبلون في صلاتهم المشرق وكذلك يوجهون إليه موتاهم‏.‏

قال الزمخشري‏:‏ ولعل ذهابهم إلى ذلك لأخذ مريم عليها السلام عنهم مكاناً شرقياً كما أخبر تعالى بقوله‏:‏ ‏"‏ إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً ‏"‏‏.‏

ولهم صيامات في أوقات متفرقة‏.‏

منها‏:‏ صومهم الكبير‏:‏ وهو ستون يوماً أولها يوم الاثنين‏.‏

وموقع أوله في شباط أو أذار من شهور السريان بحسب ما يقتضيه حسابهم يفطرون في خلالها يوم الأحد تبقى مدة صيامهم منها تسعة وأربعون يوماً‏.‏

ومنها‏:‏ صومهم الصغير‏:‏ وهو ستة وأربعون يوماً يصومونها بعد الفصح الكبير بخمسين يوماً أولها يوم الاثنين أيضاً وعندهم فيه خلاف‏.‏

ومنها‏:‏ صوم العذارى‏:‏ وهو ثلاثة أيام أولها يوم الاثنين الكائن بعد كانون الثاني في صيامات أخرى يطول ذكرها ولكثرة صيامهم قيل‏:‏ إذا حدثت أن نصرانياً مات من الجوع فصدق‏.‏

وأما ما يحرمونه فإنهم يقولون بتحريم لحم الجمل ولبنه كما يقوله اليهود ويقولون‏:‏ بحل لحم الخنزير خلافاً لليهود وهو مما ينكره اليهود عليهم من مخالفة أحكام التوراة‏.‏

ويحرمون صوم يوم الفصح الأكبر وهو يوم فطرهم من صومهم الأكبر‏.‏

ويحرمون على الرجل أن يتزوج امرأتين في قرن واحد‏.‏

ويحرمون طلاق الزوجة بل إذا تزوج أحدهم امرأة لا يكون له منها فراق إلا بالموت‏.‏

وأما الأشياء التي يستعظمون الوقوع فيها‏:‏ فمنها‏:‏ جحود كون المسيح هو المبشر به على لسان موسى عليه السلام‏.‏

ومنها إنكار قتل المسيح عليه السلام وصلبه فإنهم يعتقدون أن ذلك كان سبباً لخلاص اللاهوت من الناسوت فمن أنكر عندهم وقوع القتل والصلب على المسيح خرج عن دين النصرانية بل إنكار رؤيته مصلوباً عندهم ارتكاب محظور‏.‏

على أنهم ينكرون على اليهود ارتكابهم ذلك ويستعظمون مشاركتهم في ذلك فيالها من عقول أضلها بارئها‏!‏‏.‏

ومنها‏:‏ كسر صليب الصلبوت وهو الخشبة التي يزعمون أن المسيح عليه السلام صلب عليها‏.‏

وقد تقدم أن هيلاني أم قسطنطين استخرجها من القمامة وغسلتها وطيبتها وغشتها بالذهب ومنها‏:‏ الرجوع عن متابعة الحواريين الذين هم أصحاب المسيح عليه السلام‏.‏

ومنها‏:‏ الخروج عن دين النصرانية أو التبري منه والقول بدين التوحيد أو دين اليهودية‏.‏

ومنها‏:‏ الوقوع في حق قسطنطين وأمه هيلاني‏:‏ لقيامها في إقامة دين النصرانية أولاً على ما تقدم ذكره‏.‏

وكذلك الاستهانة بالبطاركة أو أحد من أرباب الديانات عندهم‏:‏ كالأساقفة ونحوهم ممن تقدم ذكره‏.‏

ومنها‏:‏ القعود عن أهل الشعانين‏:‏ وهم أهل التسبيح الذين كانوا حول المسيح عليه السلام حين ركب الحمار بالقدس ودخل صهيون يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وهم حوله يسبحون الله تعالى ويقدسونه‏.‏

ومنها‏:‏ صوم يوم الفصح الأكبر وصرف الوجه في الصلاة عن المشرق واستقبال صخرة بيت المقدس موافقة لليهود‏.‏

ومنها‏:‏ هدم كنيسة قمامة‏:‏ لكونها عندهم في محل القبر بزعمهم‏.‏

وكذلك غيرها من الكنائس والديرة‏.‏

ومنها‏:‏ تكذيب أحد من نقلة الإنجيل الأربعة الذين كتبوه كمتى وغيره أو تكذيب أحد من القسوس‏:‏ وهم الذين يقرأون الإنجيل والمزامير وتكذيب مريم المجدلانية فيما أخبرت به عن ومنها‏:‏ القول بنجاسة ماء المعمودية‏:‏ وهو الماء الذي ينغمسون فيه عند تنصرهم‏.‏

ومنها‏:‏ عدم اعتقاد أن القربان الذي يذبح في المذبح لا يصير لحمه ودمه هو لحم المسيح ودمه ولعمري إن هذه لعقول ذاهبة‏.‏

ومنها‏:‏ استباحة دماء أهل الديارات والمشاركة في قتل الشماسة الذين هم خدام الكنائس‏.‏

ومنها‏:‏ خيانة المسيح في وديعته‏.‏

وذلك أنهم يزعمون أن كل ما خالفت فيه فرقة من الفرق الثلاث الفرقة الأخرى كقول الملكانية بأن المعاد جسماني وقول اليعقوبية‏:‏ إن المعاد روحاني فإن الفرقة الأخرى يستعظمون الوقوع فيما ذهب إليه مخالفتها وكذلك كل ما جرى هذا المجرى‏.‏

وقد رتب الكتاب أيمان النصارى على هذه المعتقدات‏.‏

قال محمد بن عمر المدائني في كتاب ‏"‏ القلم والدواة ‏"‏‏:‏ وقد يذهب على كثير من الكتاب ما يستحلف به اليهود والنصارى عند الحاجة إلى ذلك منهم فيستحلفون بأيمان الإسلام وهم مستحلون للحرام ومجترئون على الآثام وتأثمون من أيمانهم والاستقسام بأديانهم‏.‏

ثم أشار إلى أن أول ما رتبت الأيمان التي يحلف بها النصارى على هذه الطريقة في زمن الفضل بن الربيع فحكى عن بعض كتاب العراق أنه قال‏:‏ أراد الفضل بن الربيع‏:‏ يعني وزر الرشيد أن يستحلف كاتبه ‏"‏ عوناً النصراني ‏"‏ فلم يدر كيف يستحلفه فقلت‏:‏ ولني استحلافه قال‏:‏ دونك فقلت له‏:‏ احلف بالهك الذي لا تعبد غيره ولا تدين إلا له وإلا فخلعت النصرانية وبرئت من المعمودية وطرحت على المذبح خرقة حيضة يهودية وقلت في المسيح ما يقوله المسلمون ‏"‏ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ‏"‏ وإلا فلعنك البطريك الأكبر والمطارنة والشماسة والقمامسة والديرانيون وأصحاب الصوامع عند مجتمع الخنازير وتقريب القربان وبما استغاثت به النصارى ليسوع وإلا فعليك جرم ثلثمائة وثمانية عشر أسقفاً الذين خرجوا من نيقية حتى أقاموا عمود النصرانية وإلا فشققت الناقوس وطبخت به لحم جمل وأكلته يوم الاثنين مدخل الصوم واتحمت من كل بركه يوما ورميت الشاهد بعشرين حجراً جاحداً بها وهدمت كنيسة لد وبنيت بها كنيسة اليهود وخرقت غفارة مريم وكهنونة داود وأنت حنيف مسلم وهذه اليمين لازمة لك ولعقبك من بعدك‏.‏

قال فقال عون‏:‏ أنا لا أستحل أن أسمع هذه فكيف أقولها‏!‏ وخرج من جميع ما طالبه به الفضل فأمر بها الفضل فكتبت نسخاً وفرقت على الكتاب وأمرهم بحفظها وتحليف النصارى بها‏.‏

قلت‏:‏ وقد أكثر الناس من ترتيب نسخ الأيمان لتحليف النصارى فمن مطنب ومن موجز على اختلاف مقاصدهم فيما يقع به التحليف ويوافق آراءهم فيه‏.‏

وقد رتب المقر الشهابي بن فضل الله في ‏"‏ التعريف ‏"‏ لهم إيماناً على مقتضى آراء فرقهم الثلاث المتقدمة الذكر‏:‏ من الملكانية واليعقوبية والنساطرة فأما الملكانية فقال‏:‏ إن يمينهم‏:‏ ‏"‏ والله والله والله العظيم وحق المسيح عيسى ابن مريم وأمه السيدة مريم وما أعتقده من دين النصرانية والملة المسيحية وإلا أبرأ من المعمودية وأقول‏:‏ إن ماءها نجس وإن القرابين رجس وبرئت من مريحنا المعمدان والأناجيل الأربعةن وقلت‏:‏ إن متى كذوب وإن مريم قول اليهود ودنت بدينهم في الجحود وأنكرت اتحاد اللاهوت بالناسوت وبرئت من الأب والابن وروح القدس وكذبت القسوس وشاركت في ذبح الشماس وهدمت الديارات والكنائس وكنت ممن مال على قسطنطين ابن هيلاني وتعمد أمه بالعظائم وخالفت المجامع التي أجمعت الأساقفة برومية والقسطنطينية ووافقت البرذعاني بأنطاكية وجحدت مذهب الملكانية وسفهت رأي الرهبان وأنكرت وقوع الصلب على السيد اليسوع وكنت مع اليهود حين صلبوه وحدت عن الحواريين واستبحت دماء الديرانيين وجذبت رداء الكبرياء عن البطريرك وخرجت عن طاعة الباب وصمت يوم الفصح الأكبر وقعدت عن أهل الشعانين وأبيت عيد الصليب والغطاس ولم أحلف بعيد السيدة وأكلت لحم الجمل ودنت بدين اليهود وأبحت حرمة الطلاق وخنت المسيح في وديعته وتزوجت في قرن بامرأتين وهدمت بيدي كنيسة قمامة وكسرت صليب الصلبوت وقلت في البنوة مقال نسطورس ووجهت إلى الصخرة وجهي وصديت عن الشرق المنير حيث كان المظهر الكريم وإلا برئت من النورانيين والشعشعانيين ودنت غير دين النصارى وأنكرت أن السيد اليسوع أحيا الموتى وأبرأ الأكمة والأبرص وقلت بأنه مربوب وأنه ما رؤي وهو مصلوب وأنكرت أن القربان المقدس على المذبح ما صار لحم المسيح ودمه حقيقة وخرجت في النصرانية عن لاحب الطريقة وإلا قلت بدين التوحيد وتعبدت غير الأرباب وقصدت بالمظانيات غير طريق الإخلاص وقلت‏:‏ إن المعاد غير روحاني وإن المعمودية لا تسيح في فسيح السماء وأثبت وجود الحور العين في المعاد وأن في الدار الآخرة التلذذات الجسمانية وخرجت خروج الشعرة من العجين من دين النصرانية وأكون من ديني محروماً وقلت إن جرجس لم يقتل مظلوماً‏.‏

وأما اليعاقبة فقال‏:‏ إنه يبدل قوله‏:‏ اتحاد اللاهوت بالناسوت بقوله‏:‏ مماسة اللاهوت للناسوت‏.‏

ويبطل قوله‏:‏ ووافقت البرذعاني بأنطاكية وجحدت مذهب الملكانية‏.‏

ويبدل بقوله‏:‏ وكذبت يعقوب البرذعاني وقلت‏:‏ إنه غير نصراني وجحدت اليعقوبية وقلت إن الحق مع الملكانية‏.‏

ويبطل قوله‏:‏ وخرجت عن طاعة الباب ويبدل بقوله‏:‏ وقاتلت بيدي عمدشيون وخربت كنيسة قمامة وكنت أول مفتون‏.‏

وإن كان من النساطرة أبدل القولين وأبقى ما سواها وقال عوض مماسة اللاهوت للناسوت‏:‏ إشراق اللاهوت على الناسوت ويزاد بعد ما يحذف‏:‏ وقلت بالبراءة من نسطورس وما تضمنه وهذه نسخة يمين حلف عليها ملك النوبة للسلطان الملك المنصور ‏"‏ قلاوون ‏"‏ عند استقراره نائباً عنه في بلاد النوبة وهي‏:‏ والله والله والله وحق الثالوث المقدس والإنجيل الطاهر والسيدة الطاهرة العذراء أم النور والمعمودية والأنبياء والرسل والحواريين والقديسين والشهداء الأبرار وإلا أجحد المسيح كما جحده بودس وأقول فيه ما يقول اليهود وأعتقد ما يعتقدونه وإلا أكون بودس الذي طعن المسيح بالحربة - إنني أخلصت نيتي وطويتي من وقتي هذا وساعتي هذه للسلطان الملك فلان وإني أبذل جهدي وطاقتي في تحصيل مرضاته وإنني ما دمت نائبه لا أقطع المقرر علي في كل سنة تمضي‏:‏ وهو ما يفضل من مشاطرة البلاد على ما كان يتحصل لمن تقدم من ملوك النوبة وأن يكون النصف من المتحصل للسلطان مخلصاً من كل حق والنصف الآخر مرصداً لعمارة البلاد وحفظها من عدو يطرقها وأن يكون علي في كل سنة كذا وكذا‏.‏

وإنني أقرر على كل نفر من الرعية الذين تحت يدي في البلاد من العقلاء البالغين ديناراً عيناً وإنني لا أترك شيئاً من السلاح ولا أخفيه ولا أمكن أحداً من إخفائه ومتى خرجت عن جميع ما قررته أو عن شيء من هذا المذكور أعلاه كله كنت بريئاً من الله تعالى ومن المسيح ومن السيدة الطاهرة وأخسر دين النصرانية وأصلي إلى غير الشرق وأكسر الصليب وأعتقد ما يعتقده اليهود‏.‏

وإنني مهما سمعت من الأخبار الضارة والنافعة طالعت به السلطان في وقته وساعته ولا أنفرد بشيء من الأشياء إذا لم يكن مصلحة وإنني ولي من والى السلطان وعدو من عاداه والله على ما نقول وكيل‏.‏

قلت‏:‏ وسيأتي ذكر أيمان الفرنج على الهدنة عند ذكر ما أهمله في ‏"‏ التعريف ‏"‏‏:‏ من نسخ الأيمان في آخر الباب إن شاء الله تعالى‏.‏

الملة الثالثة المجوسية وهي الملة التي كان عليها الفرس ومن دان بدينهم وهم ثلاث فرق الفرقة الأولى الكيومرتية نسبة إلى كيومرت ويقال‏:‏ جيومرت بالجيم بدل الكاف‏.‏

وهو مبدأ النسل عندهم كآدم عليه السلام عند غيرهم وربما قيل‏:‏ إن كيومرت هو آدم عليه السلام‏.‏

وهؤلاء أثبتوا إلهاً قديماً وسموه يزدان ومعناه النور يعنون به الله تعالى وإلهاً مخلوقاً سموه أهرمن ومعناه الظلمة يعنون به إبليس‏.‏

ويزعمون أن سبب وجود أهرمن أن يزدان فكر في نفسه أنه لو كان له منازع كيف يكون فحدث من هذه الفكرة الردية أهرمن مطبوعاً على الشر والفتنة والفساد والضرر والإضرار فخرج على يزدان وخالف طبيعته فجرت بينهما محاربة كان آخر الأمر فيها على أن اصطلحا أن يكون العالم السفلي لأهرمن سبعة آلاف سنة ثم يخلي العالم ويسلمه ليزدان‏.‏

ثم إنه أباد الذين كانوا في الدنيا قبل الصلح وأهلكهم وبدأ برجل يقال له كيومرت وحيوان يقال له الثور فكان من كيومرت البشر ومن الثور البقر وسائر الحيوان‏.‏

وقاعدة مذهبهم تعظيم النور والتحرز من الظلمة ومن هنا انجروا إلى النار فعبدوها‏:‏ لما اشتملت عليه من النور‏.‏

ولما كان الثور هو أصل الحيوان عندهم المصادف لوجود كيومرت عظموا البقر حتى تعبدوا بأبوالها‏.‏

الفرقة الثانية الثنوية وهم على رأي الكيومرتية في تفضيل النور والتحرز من الظلمة إلا أنهم يقولون‏:‏ إن الاثنين اللذين هما النور والظلمة قديمان‏.‏

الزرادشتية الدائنون بدين المجوسية وهم أتباع زرادشت الذي ظهر في زمن كيستاسف السابع من ملوك الكيانية وهم الطبقة الثانية من ملوك الفرس وادعى النبوة وقال بوحدانية الله تعالى وأنه واحد لا شريك له ولا ضد ولا ند وأنه خالق النور والظلمة ومبدعهما وأن الخير والشر والصلاح والفساد إنما حصل من امتزاجهما وأن الله تعالى هو الذي مزجهما لحكمة رآها في التركيب وأنهما لو لم يمتزجا لما كان وجود للعالم وأنه لا يزال الامتزاج حتى يغلب النور الظلمة ثم يخلص الخير في عالمه وينحط الشر إلى عالمه وحينئذ تكون القيامة‏.‏

وقال باستقبال المشرق حيث مطلع الأنوار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتناب الخبائث‏.‏

وأتى بكتاب قيل صنفه وقيل أنزل عليه‏.‏

قال الشهرستاني‏:‏ اسمه ‏"‏ زندوستا ‏"‏‏.‏

وقال المسعودي في ‏"‏ التنبيه والإشراف ‏"‏‏:‏ واسم هذا الكتاب ‏"‏ الإيستا ‏"‏ وإذا عرب أثبتت فيه قاف فقيل‏:‏ ‏"‏ الإيستاق ‏"‏ وعدد سوره إحدى وعشرون سورة تقع كل سورة في مائتي ورقة وعدد حروفه ستون حرفاً لكل حرف سورة مفردة فيها حروف تتكرر وفيها حروف تسقط‏.‏

قال‏:‏ وزرادشت هو الذي أحدث هذا الخط والمجوس تسميه‏:‏ دين تبره أي كتاب الدين‏.‏

وذكر أنه كتب باللغة الفارسية الأولى في اثني عشر ألف جلد ثور بقضبان الذهب حفراً وأن أحداً اليوم لا يعرف معنى تلك اللغة وإنما نقل لهم إلى هذه الفارسية شيء من السور في أيديهم يقرؤونها في صلواتهم‏:‏ في بعضها الخبر عن مبتدإ العالم ومنتهاه وفي بعضها مواعظ‏.‏

قال‏:‏ وعمل زرادشت لكتاب ‏"‏ الإيستا ‏"‏ شرحاً سماه‏:‏ ‏"‏ بادزنده ‏"‏ وعملت علماؤهم لذلك الشرح شرحاً سموه‏:‏ ‏"‏ يازده ‏"‏‏.‏

ومن حيث اختلاف الناس في كتاب زرادشت المقدم ذكره هذا‏:‏ نزل عليه أو صنفه قال الفقهاء‏:‏ إن للمجوس شبهة كتاب‏:‏ لأنه غير مقطوع بكونه كتاباً منزلاً‏.‏

وأتى زرادشت كيستاسف الملك بمعجزات‏.‏

منها‏:‏ أنه أتى بدائرة صحيحة بغير آلة وهو ممتنع عند أهل الهندسة‏.‏

ومنها‏:‏ أنه مر على أعمى فأمرهم أن يأخذوا حشيشة سماها ويعصرها في عينيه فأبصر‏.‏

قال الشهرستاني‏:‏ وليس ذلك من المعجزة في شيء إذ يحتمل أنه كان يعرف خاصة الحشيشة‏.‏

وهم يقولون‏:‏ إن الله تعالى خلق في الأول خلقاً روحانياً فلما مضت ثلاثة آلاف سنة أنفذ الله تعالى مشيئته في صورة من نور متلأليء على تركيب صورة الإنسان وخلق الشمس والقمر والكواكب والأرض وبنو آدم حينئذ غير متحركين في ثلاثة آلاف سنة‏.‏

ثم المجوس يفضلون الفرس على العرب وسائر الأمم ويفضلون مالهم‏:‏ من مدن وأبنية على غيرها من الأبنية فيفضلون إقليم بابل على غيره من الأقاليم ومدينته على سائر المدن من حيث إن أوشهنج أول طبقة الكيانية من ملوك الفرس هو الذي بناها ويقولون‏:‏ إنه أول من جلس على السرير ولبس التاج ورفع الأعمال ورتب الخراج وكان ملكه بعد الطوفان بمائتي سنة وقيل‏:‏ بل كان قبل الطوفان‏.‏

ويفضلون الكتابة الفهلوية وهي الفارسية الأولى على غيرها من الخطوط ويزعمون أن أول من وضعها طهمورث‏:‏ وهو الذي ملك بعد أوشهنج المقدم ذكره‏.‏

ويجحدون سياسة بني ساسان وهم الطبقة الثالثة من ملوك الفرس منسوبون إلى ساسان ويسخطون على الروم لغزوهم الفرس وتسلطهم عليهم ببلاد بابل ويعبدون النار ويرون أن الأفلاك فاعلة بنفسها ويستبيحون فروج المحارم من البنات والأمهات ويرون جواز الجمع بين الأختين إلى غير ذلك من عقائدهم‏.‏

ويعظمون النيروز‏:‏ وهو أول يوم من سنتهم وعيدهم الأكبر‏.‏

وأول من رتبه جمشيد أخو طهمورث‏.‏

ويعظمون أيضاً المهرجان‏:‏ وهو عيد مشهور من أعيادهم‏.‏

ويسخطون على بيوراسب وهو رابع ملوكهم‏:‏ وهو الضحاك يقال له بالفارسية‏:‏ الدهاش ومعناه عشر آفات‏.‏

وكان ظلوماً غشوماً سار فيهم بالجور والعسف وبسط يده بالقتل وسن العشور والمكوس واتخذ المغنين والملاهي وكان على كتفه سلعتان مستورتان بثيابه يحركهما إذا شاء فكان يدع أنهما حيتان تهويلاً على ضعفاء العقول ويزعم أن ما يأخذه من الرعية يطعمه لهما ليكفهما عن الناس وأنهما لا يشبعان إلا بأدمغة بني آدم فكان يقتل في كل يوم عدداً كثيراً من الخلق بهذه الحجة‏.‏

ويقال‏:‏ إن إبراهيم الخليل عليه السلام كان في آخر أيامه‏.‏

وكان من شأنه أنه لما كثر جوره وظلمه على الناس ظهر بأصبهان رجل اسمه كابي ويقال‏:‏ كابيان من سفلة الناس قيل حداد كان الضحاك قد قتل له ابنين فأخذ كابي المذكور درفساً وهو الحربة وعلق بأعلاها قطعة نطع كان يتفي بها النار ونادى في الناس بمحاربة الضحاك فأجابه خلق كثير واستفحل أمره وقصد الضحاك بمن معه فهرب الضحاك منه فسأله الناس أن يتملك عليهم فامتنع لكونه من غير بيت الملك وأشار بتولية إفريدون من عقب جمشيد المقدم ذكره فولوه فتبع الضحاك إلى أهله فصار لكابي المذكور عندهم المقام الأعلى وعظموا درفسه الذي علق به تلك القطعة من النطع وكللوه بالجواهر ورصعوه باليواقيت ولم يزل عند ملوكهم يستفتحون به في الحروب العظيمة حتى كان معهم أيام يزدجرد آخر ملوكهم عند محاربة المسلمين لهم في زمن عثمان فغلبهم المسلمون واقتلعوه منهم‏.‏

وهم يعظمون أفريدون ملكهم المقدم ذكره لقيامه في هلاك الضحاك وقتله‏.‏

وفي أول ملك وهم يعظمون أيضاً من ملوكهم سابور الملقب بذي الأكتاف لأخذه بثأر العجم من الغرب‏.‏

وذلك أنه كان يتبع العرب بالجزيرة الفراتية وما جاورها وسار في طلبهم حتى بلغ البحرين ليهلكهم قتلاً لا يقبل من أحد منهم فداء ثم أخذ في خلع أكتافهم فلذلك سمي ذا الأكتاف‏.‏

ويعظمون ماني بن فاتن‏:‏ وهو رجل ظهر في زمن سابور بن أرشير بعد عيسى عليه السلام وادعى النبوة وأحدث ديناً بين المجوسية والنصرانية‏.‏

وكان يقول‏:‏ إن العالم مصنوع من النور والظلمة وأنهما لم يزالا قديمين حساسين سميعين بصيرين‏.‏

وله أتباع يعرفون بالمانوية‏.‏

ويتبرؤون من مزدك‏:‏ وهو رجل مشهور منسوب عندهم إلى الزندقة أيضاً ظهر في زمن قباذ أحد ملوك الفرس من الأكاسرة وادعى النبوة ونهى عن المخالفة والمباغضة وزعم أن ذلك إنما يحصل بسبب النساء والمال فأمر بالاشتراك والمساواة فيهما وتبعه قباذ على ذلك فتوصلت سفلة الرجال إلى إشراف النساء وحصل بذلك مفسدة عظيمة‏.‏

وكان يقول‏:‏ إن النور عالم حساس والظلام جاهل أعمى والنور يفعل بالقصد والاختيار والظلمة تفعل على الخبط والاتفاق وإن امتزاج النور والظلمة كان بالاتفاق والخبط دون القصد والاختيار وكذلك الخلاص‏.‏

وله أتباع يقال لهم المزدكية ولم يزل على ذلك حتى قتله شروان بن قباذ هو وأتباعه وقتل معهم المانوية أتباع ماني المقدم ذكره وعادت الفرس إلى المجوسية القديمة‏.‏

وقد رتب في ‏"‏ التعريف ‏"‏ للمجوس يميناً على مقتضى ما عليه عقيدة المجوس أتباع زرادشت المقدم ذكره وهي‏:‏ ‏"‏ إنني والله الرب العظيم القديم النور الأول رب الأرباب وغله الآلهة ماحي آية الظلم والموجد من العدم مقدر الأفلاك ومسيرها ومنور الشهب ومصورها خالق الشمس والقمر ومنبت النجوم والشجر والنار والنور والظل والحرور وحق جيومرت وما أولد من كرائم النسل وزرادشت وما جاء به من القول الفصل والزند وما تضمنه والخط المستدير وما بين وإلا أنكت أن زرادشت لم يأت بالدائرة الصحيحة بغير آلة وأن مملكة إفريدون كانت ضلالة وأكون قد شاركت بيوراسب فيما سفك طعماً لحيتيه وقلت إن كابيان لم يسلط عليه وحرقت بيدي الدرفس وأنكرت ما عليه من الوضع الذي أشرقت عليه أجرام الكواكب وتمازجت فيه القوى الأرضية بالقوى السماوية وكذبت ماني وصدقت مزدك واستبحت فضول الفروج والأموال وقلت بإنكار الترتيب في طبقات العالم وأنه لا مرجع في الأبوة إلا إلى آدم وفضلت العرب على العجم وجعلت الفرس كسائر الأمم ومسحت بيدي خطوط الفهلوية وجحدت السياسة الساسانية وكنت ممن غزا الفرس مع الروم وممن خطأ سابور في خلع أكتاف العرب وجلبت البلاء إلى بابل ودنت بغير دين الأوائل وإلا أطفأت النار وأنكرت فعل الفلك الدوار ومالات فاعل الليل على فاعل النهار وأبطلت حكم النيروز والمهرجان وأطفأت ليلة الصدق مصابيح النيران وإلا أكون ممن حرم فروج الأمهات وقال بأنه لا يجوز الجمع بين الأخوات وأكون ممن أنكر صواب فعل أردشير وكنت لقومي بئس المولى وبئس العشير‏.‏

المهيع الثالث في الأيمان التي يحلف بها الحكماء وهم المعبر عنهم بالفلاسفة جمع فيلسوف‏:‏ ومعناه باليونانية محب الحكمة‏.‏

وأصله ‏"‏ فيلاسوف ‏"‏ ففيلا معناه محب وسوف معناه الحكمة وهم أصحاب الحكم الغريزية والأحكام السماوية فمنهم من وقف عند هذا الحد ومنهم من عرف الله تعالى وعبده بأدب النفس‏.‏

قال الشهرستاني‏:‏ وهم على ثلاثة أصناف‏:‏ الصنف الأول البراهمة وهم لا يقرون بالنبوات أصلاً ولا يقولون بها‏.‏

الصنف الثاني وهم شرذمة قليلة وأكثر حكمتهم فلتات الطبع وخطرات الفكر وهؤلاء ربما قالوا بالنبوات‏.‏

الصنف الثالث حكماء الروم وهم على ضربين الضرب الأول القدماء منهم الذين هم أساطين الحكمة وهم سبعة حكماء‏:‏ ثاليس الملطي وانكساغورس وانكسمانس وانباديقلس وفيثاغورس وسقراط وأفلاطون ومذاهبهم مختلفة وبعضهم عاصر بعض الأنبياء عليهم السلام وتلقف منه كانباديقلس‏:‏ كان في زمن داود عليه السلام ومضى إليه وتلقى عنه واختلف إلى لقمان واقتبس منه الحكمة وكذلك فيتاغورث‏:‏ كان في زمن سليمان عليه السلام وأخذ الحكمة من معدن النبوة‏.‏

الضرب الثاني المتأخرون منهم وهم أصحاب أرسطاطاليس طائفة منهم تعرف بالمشائين‏:‏ وهم الذين كانوا يمشون في ركابه يقرأون عليه الحكمة في الطريق وهو راكب‏.‏

وطائفة تعرف بالرواقيين‏:‏ وهم الذين كان يجلس لتعليمهم بالرواق‏.‏

والطائفة الثالثة فلاسفة الإسلام‏:‏ وهم حكماء العجم‏.‏

أما قبل الإسلام فإنه لم ينقل عن العجم مقالة في الفلسفة بل حكمهم كلها كانت مستفادة من النبوات‏:‏ إما من الملة القديمة وإما من غيرها من الملل‏.‏

ومعتقدهم أن الله تعالى واجب الوجود لذاته وأنه ليس بجوهر ولا عرض وأن ما سواه صادر عنه على ترتيب وأنه تعالى واحد فرد ليس له شريك ولا نظير باق أبدي سرمدي وأنه الذي أوجد الأشياء وكونها ويعبرون عنه بعلة العلل وأنه قادر يفعل إن شاء ولا يفعل إن لم يشأ فاعل بالذات ليس له صفة زائدة على ذاته مريد له إرادة وعناية لا تزيد على ذاته وأنه أول لا بداية له آخر لا نهاية له وأنه يستحيل أن يتغير منزه عن أن يكون حادثاً أو عرضاً للحوادث حي متصف بصفات البقاء السرمدية وأنه حكيم بمعنى أنه جامع لكل كمال وجلال وأنه خالق الأفلاك بقدرته ومدبرها بحكمته ويقولون‏:‏ إن الأرض ثابتة لا تتحرك والماء محيط بها من سائر جهاتها على ما اقتضته الحكمة الإلهية وكشف بعض أعلاها بسكن الخلق فيه فهي كبطيخة ملقاة في بركة ماء ويحيط بالماء الهواء ويحيط بالهواء النار ويحيط بالنار فلك القمر وهو الأول ويحيط بفلك القمر فلك عطارد وهو الثاني ويحيط بفلك عطارد فلك الزهرة وهو الثالث ويحيط بفلك الزهرة فلك الشمس وهو الرابع ويحيط بفلك الشمس فلك المريخ وهو الخامس ويحيط بفلك المريخ فلك المشتري وهو السادس ويحيط بفلك المشتري فلك زحل وهو السابع ويحيط بفلك زحل فلك الكواكب وهو الثامن وهو الذي فيه الكواكب الثابت بأسرها وهي ما عدا الكواكب السبعة التي في الأفلاك السبعة المقدم ذكرها‏:‏ من البروج الاثني عشر ومنازل القمر الثمانية والعشرين وغيرها‏.‏

ويحيط بالكواكب الفلك الأطلس وهو الفلك التاسع والأفلاك التسعة دائرة بما فيها من المشرق إلى المغرب بحيث تقطع في اليوم والليلة دورة كاملة والكواكب السبعة التي في الأفلاك السبعة الأولة وهي‏:‏ زحل والمشتري والمريخ والشمس والزهرة وعطارد والقمر متحركة بالسير إلى جهات مخصوصة‏:‏ الشمس والقمر يسيران بين المشرق والمغرب وبقية الكواكب يختلف سيرها استقامة ورجوعاً والكواكب التي في الفلك الثامن ثابتة لا تتحرك والله تعالى هو الذي يسير هذه الأفلاك والكواكب ويفيض القوى عليها‏.‏

ويقولون‏:‏ إن الشمس إذا سخنت الأرض بواسطة الضوء صعد من الرطب منها بخار ومن البارد اليابس دخان‏.‏

ثم بعضه يخرج من مسام الأرض فيرتفع إلى الجو وبعضه يحتبس في الأرض بوجود ما يمنعه من الخروج منها‏:‏ من جبل ونحوه‏.‏

فأما ما يخرج من مسام الأرض فإن كان من البخار فما تصاعد منه في الهواء يكون منه المطر والثلج والبرد وقوس قزح والهالة ثم ما ارتفع من الطبقة الحارة من الهواء إلى الباردة تكاثف بالبرد وانعقد غيماً وإن كان ضعيفاً أثرت فيه حرارة الشمس فاستحال هواء ومهما انتهى إلى الطبقة الباردة تكاثف وعاد وتقاطر وهو المطر‏.‏

فإن أدركها برد قبل أن تجتمع جمدت ونزلت كالقطن المندوف وهو الثلج وإن لم تدركها برودة حتى اجتمعت قطرات من الجوانب أذهبت برودتها انعقدت برداً وإذا صار الهواء رطباً بالمطر مع أدنى صقالة صار كالمرآة فيتولد من ضوء الشمس الواقع في قفاه قوس قزح فإن كان قبل الزوال رؤي في المغرب وإن كان بعد الزوال رؤي في المشرق وإن كانت الشمس في وسط الشماء لم يمكن أن يرى إلا قوساً صغيراً إن اتفق‏.‏

وفي معنى ذلك الهالة المحيطة بالقمر إلا أن الهالة إنما تحصل من مجرد برودة الهواء وإن لم يكن مطراً‏.‏

وإن كان ما يخرج من مسام الأرض دخاناً‏:‏ فإن تصاعد وارتفع في وسط البخار وضربه الريح في ارتفاعه ثقل وانتكس فحركه الهواء فحصل الريح‏.‏

وإن لم يضربه الريح تصاعد إلى عنصر النار واشتعلت النار فيه فصار منه نار تشاهد وربما استطال بحسب طول الدخان فيسمى كوكباً منقضاً‏.‏

وإن كان الدخان كثيفاً واشتعل بالنار ولكنه لم يستحل على القرب بل بفي زماناً رؤي كأنه كوكب ذو ذنب‏.‏

وإن بفي شيء من الدخان في تضاعيف الغيم وبرد صار ريحاً في وسط الغيم فيتحرك فيه بشدة فيحصل منه صوت وهو الرعد فإن قويت حركته اشتعل من حرارة الحركة الهواء والدخان فصار ناراً مضيئة وهو البرق‏.‏

وإن كان المشتعل كثيفاً ثقيلاً محرقاً اندفع بمصادفة الغيم إلى جهة الأرض وهي الصاعقة‏:‏ ‏"‏ صنع الله الذي أتقن كل شيء ‏"‏‏.‏

ويقرون أن الله تعالى مكون الأكوان ومنمي المعادن والنبات والحيوان‏.‏

فأما المعادن - فهي التي تتكون فيها جواهر الأرض‏:‏ من الذهب والفضة وغيرهما‏.‏

وذلك أن البخار والدخان في الأرض فإنها ‏"‏ إن ‏"‏ تجتمع وتمتزج فإن غلب الدخان كان الحاصل منه مثل النوشادر والكبريت‏.‏

وربما تغلب البخار في بعضه فيصير كالماء الصافي المنعقد المتحجر فيكون منه الياقوت والبلور ونحوه مما لا يتطرق تحت المطارق‏.‏

وإن استحكم امتزاج الدخان منه بالبخار وقلة الحرارة المحققة في جواهرها انعقد منه الذهب والفضة والنحاس والرصاص ونحوها مما يتطرق بالمطرقة‏.‏

وأما النبات - فإنهم يقولون‏:‏ إن العناصر قد يقع بها امتزاج واختلاط أتم من امتزاج البخار والدخان المقدم ذكره وأحسن وأقرب إلى الاعتدال فيحصل من ذلك النمو الذي لا يكون فيه الجمادات‏.‏

وينشأ عن ذلك ثلاثة أمور‏:‏ أحدها - التغذية بقوة مغذية‏:‏ وهي قوة محيلة للغذاء تنخلع عنها صورتها وتكسوها صورة المتغذي فتنتشر في أجزائه وتلتصق به وتسد مسد ما تحلل من أجزائه‏.‏

وثانيها - التنمية بقوة منمية بأن يزيد الجسم بالغذاء في أقطاره على التناسب اللائق بالنامي حتى ينتهي إلى منتهى ذلك الشيء‏.‏

وثالثها - التوليد بقوة مولدة‏:‏ وهي التي تفصل جسماً من جسم شبيه به‏.‏

وأما الحيوان فإنهم يقولون إن تكونه من مزاج أقرب إلى الاعتدال وأحسن من الذي فبله من حيث إن فيه قوة نباتية وزيادة قوتين وهما المدركة والمتحركة ومهما حصل من الإدراك انبعثت الشهوة والنزوع وهو إما لطلب ما يحتاج إليه في طلب الملائم الذي به بقاء الشخص‏:‏ كالغذاء أو بقاء النوع‏:‏ كالجماع ويسمى قوة شهوانية وإما للهرب ودفع المنافي وهي قوة غضبية فإن ضعفت القوة الشهوانية فهو الكراهة وإن ضعفت القوة الغضبية فهو الخوف‏.‏

والقوة المدركة تنقسم إلى باطنة‏:‏ كالخيالية والمتوهمة والذاكرة والمفكرة وإلى ظاهرة‏:‏ كالسمع والبصر والذوق والشم واللمس فاللمس قوة منبثة في جميع البشرة تدرك الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والصلابة واللين والخشونة والملاسة والخفة والثقل‏.‏

والشم في زائدتي الدماغ الشبيهتين بحلمتي الثدي‏.‏

والسمع في عصبة في أقصى الصماخ والذوق في عصبة مفروشة على ظاهر اللسان بواسطة الرطوبة العذبة التي لا طعم لها المنبسطة على ظاهر اللسان‏.‏

والإبصار يحصل عن انطباع مثل صورة المدرك في الرطوبة الجليدية التي تشبه البرد والجمد فإنها كالمرآة فإذا قابلها يكون انطبع فيها مثل صورته فتحصل الرؤية‏.‏

ويرون أن النفس محلها العلو‏.‏

ويقولون‏:‏ إن النفس في أول الصبا تكون عالمة بالمعقولات المجردة والمعاني الكلية بالقوة مما تصير بعد ذلك عالمة بالفعل‏.‏

ثم إن سعدت بالاستعداد للقبول انقطعت حاجتها عن النظر إلى البدن ومقتضى الحواس إلا أن البدن لا يزال يجاذبها ويشغلها ويمنعها من تمام الاتصال بالعلويات فإذا انحط عنها شغل البدن بالموت ارتفع عنها الحجاب وزال المانع ودام الاتصال وكمل حالها بعد فراق البدن والتذت به لذة لا يدرك الوصف كنهها‏.‏

وإن كانت النفس محجوبة عن هذه السعادة فقد شقيت‏.‏

وعندهم أنه إنما تحجب باتباع الشهوات وقصر الهمة على مقتضى الطبع وبإقامته في هذا العالم الخسيس الفاني فترسخ في نفسه تلك العادة ويتأكد شوقه إليها فتفوت بالموت آلة درك ذلك الشوق ويبقى التشوق وهو الألم العظيم الذي لا حد له وذلك مانع من الوصال والاتصال‏.‏

وهذه النفس ناقصة بفقد العلم ملطخة باتباع الشهوات بخلاف النفس السابقة‏.‏

ويقولون‏:‏ إن الهيولى قابلة لتركيب الأجسام ويخالفون أهل الطبيعة في قولهم‏:‏ بإنكار المعاد وفناء ويرون أن التحسين والتقبيح راجعان إلى العقل دون الشرع كما هو مذهب المعتزلة وغيرهم‏.‏

ويقولون‏:‏ إن الإله تعالى فاعل بالذات ليس له صفة زائدة على ذاته عالم بذاته وبسائر أنواع الموجودات وأجناسها لا يعزب عن علمه شيء وإنه يعلم الممكنات الحادثة‏.‏

ويقولون بإثبات النبوات لأن العالم لا ينتظم إلا بقانون متبوع بين كافة الناس يحكمون به بالعدل وإلا تقاتلوا وهلك العالم إذ النبي هو خليفة الله في أرضه بواسطته تنتهي إلى الخلق الهداية إلى مصالح الدنيا والآخرة من حيث إنه يتلقى عن الملك والملك يتلقى عن الله تعالى إلا أنهم يقولون‏:‏ إن النبوات غير متناهية وإنها مكتسبة ينالها العبد بالرياضات‏.‏

وهاتان المقالتان من جملة ما كفروا به‏:‏ بتجويز النبوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخبر تعالى أنه خاتم النبيين وقولهم إنها تنال بالكسب‏.‏

وقد حكى الصلاح الصفدي في ‏"‏ شرح لامية العجم ‏"‏ أن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إنما قتل عمارة اليمني الشاعر حين قام فيمن قام بإحياء الدولة الفاطمية بعد انقراضها على ما تقدم ذكره في الكلام على ترتيب مملكة الديار المصرية في المقالة الثانية مستنداً في ذلك إلى بيت نسب إليه من قصيدة وهو قوله‏:‏ وكان مبدأ هذا الدين من رجل سعى فأصبح يدعى سيد الأمم فجعل النبوة مكتسبة وهم مجمعون على أن الله تعالى ليس بجسم ولا جسماني وأنه ليس في جهة ولا داخل ولا يدخل تحت الحد والماهية‏.‏

وهذه نسخة يمين رتبها لهم في ‏"‏ التعريف ‏"‏ وهي‏:‏ إنني والله والله والله العظيم الذي لا إله إلا هو الواحد الأحد الفرد الصمد الأبدي السرمدي الأزلي الذي لم يزل علة العلل رب الأرباب ومدبر الكل القدير القديم الأول بلا بداية المنزه عن أن يكون حادثاً أو عرضاً للحوادث الحي الذي اتصف بصفات البقاء والسرمدية والكمال والمتردي برداء الكبرياء والجلال مدبر الأفلاك ومسير الشهب مفيض القى على الكواكب وباث الأرواح في الصور مكون الكائنات ومنمي الحيوان والمعدن والنبات وإلا فلا رقيت روحي إلى مكانها ولا اتصلت نفسي بعالمها وبقيت في ظلم الجهالة وحجب الضلالة وفارقت نفسي غير مرتسمة بالمعارف ولا مكملة بالعلم وبقيت غفي عوز النقص وتحت إمرة الغي وأخذت بنصيب من الشرك وأنكرت المعاد وقلت بفناء الأرواح ورضيت في هذا بقالة أهل الطبيعة ودمت في قيد المركبات وشواغل الحس ولم أدرك الحقائق على ما هي عليه وإلا فقلت‏:‏ إن الهيولى غير قابلة لتركيب الأجسام وأنكرت المادة والصورة وخرقت النواميس وقلت‏:‏ إن التحسين والتقبيح إلى غير العقل وخلدت مع النفوس الشريرة ولم أجد سبيلاً إلى النجاة وقلت‏:‏ إن الإله ليس فاعلاً بالذات ولا عالماً بالكليات ودنت بأن النبوات متناهية وأنها غير كسبية وحدت عن طرائق الحكماء ونقضت تقرير القدماء وخالفت الفلاسفة ووافقت على إفساد الصور للعبث وحيزت الرب في جهة وأثبت أنه جسم وجعلته فيما يدخل تحت الحد والماهية ورضيت بالتقليد في الألوهية‏.‏

المهيع الرابع في بيان المحلوف عليه وما يقع على العموم وما يختص به كل واحد من أرباب الوظائف مما يناسب وظيفته اعلم أن المحلوف عليه في الأيمان الملوكية تارة يشترك فيه جميع من يحلف من أهل الدولة وتارة يختلف باختلاف ما يمتاز به بعضهم عن بعض مما لا تقع الشركة بينهم فيه‏.‏

فأما ما يقع فيه الاشتراك كطاعة السلطان وما في معناه‏:‏ من إخلاص النية وإصفاء الطوية وما يجري مجرى ذلك فذلك مما يشترك فيه كل حالف يحلف للسلطان على اختلاف عقائدهم‏:‏ من مسلم‏:‏ سني أو بدعي وكافر‏:‏ يهودي أو نصراني أو غيرهما‏.‏

فكل أحد يحلف بما تقتضيه عقيدته في التعظيم على ما تقدم بيانه في أيمان الطوائف كلها‏.‏

فإذا انتهى إلى المحلوف عليه قال‏:‏ إنني من وقتي هذا ومن ساعتي هذه وما مد الله في عمري قد أخلصت نيتي ولا أزال مجتهداً في إصفائها في طاعة مولانا السلطان المالك الملك الفلاني فلان الدنيا والدين فلان ابن السلطان السعيد الشهيد الملك فلان الدنيا والدين فلان خلد الله تعالى ملكه وفي خدمته ومحبته ونصحه وأكون ولياً لمن واله عدواً لمن عاداه سلماً لمن سالمه حرباً لمن حاربه من سائر الناس أجمعين لا أضمر له سوءاً ولا خديعة ولا خيانة في نفس ولا مال ولا ملك ولا سلطنة ولا عساكر ولا جند ولا عربان ولا تركمان ولا أكراد ولا غير ذلك ولا أسعى في تفريق كلمة أحد منهم عن طاعته الشريفة‏.‏

وأنني والله العظيم أبل جهدي وطاقتي في طاعة مولانا السلطان الملك فلان الدنيا والدين المشار إليه وإن كاتبني أحد من سائر الناس أجمعين بما فيه مضرة على ملكه لا أوافق على ذلك بقول ولا فعل ولا عمل ولا نية وإن قدرت على إمساك الذي جاءني بالكتاب أمسكته وأحضرته لمولانا السلطان الملك فلان المشار إليه أو نائبه القريب مني‏.‏

وأما ما يقع فيه الاختلاف فما يتباين الحال فيه باختصاص رب كل وظيفة بما لا يشاركه فيه الآخر‏.‏

وقد أشار في ‏"‏ التعريف ‏"‏ إلى نبذة من ذلك فقال‏:‏ وقد يزاد نواب القلاع ونقباؤها والوزراء وأرباب التصرف في الأموال والدوادارية وكتاب السر زيادات يعني على ما تقدم‏.‏

فأما نواب القلاع ونقباؤها فيزداد في تحليفهم‏:‏ وإنني أجمع رجال هذه القلعة على طاعة مولانا السلطان فلان وخدمته في حفظ هذه القلعة وحمايتها وتحصينها والذب عنها والجهاد دونها والمدافعة عنها بكل طريق وإنني أحفظ حواصلها وذخائرها وسلاح خاناتها على اختلاف ما فيها من الأقوات والأسلحة وإنني لا أخرج شيئاً منها إلا في أوقات الحاجة والضرورة الداعية المتعين فيها تفريق الأقوات والسلاح على قدر ما تدعو الحاجة إليه وإنني أكون في ذلك كواحد من رجال هذه القلعة وكل واحد ممن يتبعني كواحد ممن يتبع أتباع رجال هذه القلعة لا أتخصص ولا أمكن من التخصيص وإنني والله والله والله لا أفتح أبواب هذه القلعة إلا في الأوقات الجاري بها عادة فتح أبواب الحصون وأغلقها في الوقت الجاري به العادة ولا أفتحها إلا بشمس ولا أغلقها إلا بشمس وإنني أطالب الحراس والدراجة وأرباب النوب في هذه القلعة بما جرت به العوائد اللازمة لكل منهم مما في ذلك جميعه مصلحة مولانا السلطان فلان وإنني لا أسلم هذه القلعة إلا لمولانا السلطان فلان أو بمرسومه الشريف وأمارته الصحيحة وأوامره الصريحة وإنني لا أستخدم في هذه القلعة إلا من فيه نفعها وأهلية الخدمة لا أعمل في ذلك يغرض نفسي ‏"‏ ولا أرخص فيه لمن يعمل بغرض نفس له ‏"‏ وإنني أبذل في ذلك كله الجهد وأشمر عن ساعد الجد قال‏:‏ ويسمي القلعة التي هو فيها‏.‏

وأما الوزراء وأرباب التصرف في الأموال فمما يزاد في تحليفهم‏:‏ وإنني أحفظ أموال مولانا السلطان فلان - خلد الله ملكه - من التبذير والضياع والخونة وتفريط أهل العجز ولا أستخدم في ذلك ولا في شيء منه إلا أهل الكفاية والأمانة ولا أضمن جهة من الجهات الديوانية إلا من الأمناء الأتقياء القادرين أو ممن زاد زيادة ظاهرة وأقام عليه الضمان الثقات ولا أؤخر مطالبة أحد بما يتعين عليه بوجه حق من حقوق الديوان المعمور والموجبات السلطانية على اختلافها‏.‏

وإنني والله العظيم لا أرخص في تسجيل ولا قياس ولا أسامح أحداً بموجب يجب عليه ولا أخرج عن كل مصلحة تتعين لمولانا السلطان فلان ولدولته ولا أخلي كل ديوان يرجع إلي أمره ويعدق بي أمر مباشرته من تصفح لأحواله واجتهاد في تثمير أمواله وكف أيدي الخونة عنه وغل أيديهم أن تصل إلى شيء منه ولا أدع حاضراً ولا غائباً من أمور هذه المباشرة حتى أجد فيه وأبذل الجهد الكلي في إجراء أموره على السداد وحسن الاعتماد وإنني لا أستجد على المستقر إطلاقه ما لم يرسم لي به إلا ما كان فيه مصلحة ظاهرة لهذه الدولة القاهرة ونفع بين لهذه الأيام الشريفة وإنني والله أؤدي الأمانة في كل ما عدق بي وليت‏:‏ من القبض والصرف والولاية والعزل والتأخير والتقديم والتقليل والتكثير وفي كل جليل وحقير وقليل وكثير‏.‏

وأما الدوادارية وكتاب السر فيزاد فيهما‏:‏ وإنني مهما اطلعت عليه من مصالح مولانا السلطان فلان - خلد الله ملكه - ونصائحه وأمر داني ملكه ونازحه أوصله إليه وأعرضه عليه ولا ويفرد الدوادار‏:‏ بأني لا أؤدي عن مولانا السلطان رسالة في إطلاق مال ولا استخدام مستخدم ولا إقطاع إقطاع ولا ترتيب مرتب ولا تجديد مستجد ولا شاد شاغر ولا فصل منازعة ولا كتابة توقيع ولا مرسوم ولا كتاب صغيراً كان أو كبيراً إلا بعد عرضه على مولانا السلطان فلان ومشاورته ومعاودة أمره الشريف ومراجعته‏.‏

ويفرد كاتب السر‏:‏ بأنه مهما تأخرت قراءته من الكتب الواردة على مولانا السلطان فلان من البعيد والقريب يعاوده فيه في وقت آخر فإن لم يعاوده فيه بمجموع لفظه لطوله الطول الممل عاوده فيه بمعناه في الملخصات وأنه لا يجاوبه بشيء لم ينص المرسوم الشريف فيه بنص خاص وما لم تجر العادة بالنص فيه لا يجاوب فيه إلا بأكمل ما يرى أن فيه مصلحة مولانا السلطان فلان ومصلحة دولته بأسد جواب يقدر عليه ويصل اجتهاده إليه وأنه مهما أمكنه المراجعة فيه لمولانا السلطان فلان راجعه فيه وعمل بنص ما يرسم له به فيه‏.‏

هذا ما انتهى إليه كلامه‏.‏

قال في ‏"‏ التثقيف ‏"‏‏:‏ ويزاد النواب مثل قوله‏:‏ ولا أسعى في تفريق كلمة أحد منهم عن طاعته الشريفة وعلي أن أبذل جهدي وطاقتي في ذلك كله وفي أحد حفظ المملكة التي استنابني فيها وصيانتها وحمايتها وما بها من القلاع والثغور والسواحل‏.‏

ثم يأتي بعده‏:‏ وإن كاتبني أحد الخ‏.‏

قلت‏:‏ والمراد أنه يؤتى باليمين العامة التي يحلف عليها كل أحد ثم يزاد لكل واحد من أرباب الوظائف ما يناسبه مما تقدم ثم يؤتى على بقية اليمين من عند قوله‏:‏ وإنني أفي لمولانا السلطان بهذه اليمين إلى آخرها أو ما في معنى ذلك من أيمان أهل البدع وأصحاب الملل على ما تقدم ذكره‏.‏

ثم قال في ‏"‏ التثقيف ‏"‏‏:‏ وقد تتجدد وقائع وأمور تحتاج إلى التحليف بسببها تتغير صيغة المحلوف عليه بالنسبة إلى ما رسم به فيها‏.‏

ثم أشار إلى أنه لم ير مدة مباشرته بديوان الإنشاء أحداً ممن ذكره في ‏"‏ التعريف ‏"‏ من أرباب الوظائف حلف وإنما ذكرها لاحتمال أن تدعو الحاجة إليها في وقت من الأوقات أو أنها كانت مستعملة في المتقدم فيكون في تركها إهمال لبعض المصطلح‏.‏

قلت‏:‏ وقد أهملا في‏:‏ التعريف ‏"‏ و ‏"‏ التثقيف ‏"‏‏:‏ ذكر يمينين مما رتبه الكتاب وحلفوا به في الزمن المتقدم مما لا غنى بالكاتب عنه‏.‏

الأولى - اليمين على الهدنة التي تنعقد بين ملكين أو نائبهما أو ملك ونائب ملك آخر على ما سيأتي ذكره في المقالة التاسعة إن شاء الله تعالى‏.‏

وتقع اليمين فيها على ما فيه تأكيد عقد الهدنة والتزام شروطها والبقاء عليها وعدم الخروج عنها أو عن شيء من ملتزماتها وغير ذلك مما يدخل به التطرق إلى النقض والتوصل إلى الفسخ‏.‏

وهذه نسخة يمين حلف عليها السلطان الملك المنصور ‏"‏ قلاوون ‏"‏ على الهدنة الواقعة بينه وبين الحكام بمملكة عكا وصيدا وعثليث وبلادها من الفرنج الاستبارية في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثمانين وستمائة في مباشرة القاضي فتح الدين بن عبد الظاهر كتابة السر على ما أورده ابن مكرم في تذكرته وهي‏:‏ أقول وأنا فلان‏:‏ والله والله والله وبالله وبالله وبالله وتالله وتالله وتالله والله العظيم الطالب الغالب الضار النافع المدرك المهلك عالم ما بدا وما خفي عالم السر والعلانية الرحمن الرحيم وحق القرآن ومن أنزله ومن أنزل عليه وهو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وما يقال فيه من سورة سورة وآية آية وحق شهر رمضان إنني أفي بحفظ هذه الهدنة المباركة التي استقرت بيني وبين مملكة عكا والمقدمين بها على عكا وعثليث وصيدا وبلادها التي تضمنتها هذه الهدنة التي مدتها عشر سنين كوامل وعشرة أشهر وعشرة أيام وعشر ساعات أولها يوم الخميس خامس ربيع الأول سنة اثنتين وثمانين وستمائة للهجرة من أولها إلى آخرها وأحفظها وألتزم بجميع شروطها المشروحة فيها وأجري الأمور على أحكامها إلى انقضاء مدتها ولا أتأول فيها في شيء منها ولا استفتي فيها طلباً لنقضها ما دام الحاكمون بمدينة عكا وصيدا وعثليث - وهم كافل المملكة بعكا ومقدم بيت الروم ومقدم بيت الاستبار ونائب مقدم بيت الاستبار إلى الآن ومن تولى بعدهم في كفالة مملكة أو مقدم بيت بهذه المملكة المذكورة - وافين باليمين التي يحلفون عليها في ولدي الملك الصالح ولأولاده على استقرار هذه الهدنة المحررة الآن عاملين بها وبشروطها المشروحة فيها إلى انقضاء مدتها ملتزمين أحكامها وإن نكثت في هذه اليمين فيلزمني الحج إلى بيت الله الحرام بمكة حافياً حاسراً ثلاثين حجة ويلزمني صوم الدهر كله إلا الأيام المنهي عنها‏.‏

ويذكر بقية شروط اليمين إلى آخرها ثم يقول‏:‏ والله على ما نقول وكيل‏.‏

وهذه نسخة يمين حلف عليها الفرنج المعاقدون على هذه الهدنة أيضاً في التاريخ المقدم ذكره على ما أورده ابن مكرم أيضاً وهي‏:‏ والله والله والله وبالله وبالله وبالله وتالله وتالله وتالله وحق المسيح وحق المسيح وحق الصليب وحق الصليب وحق الأقانيم الثلاثة من جوهر واحد المكنى بها عن الأب والابن وروح القدس إله واحد وحق الصليب المكرم الحال في الناسوت وحق الإنجيل المطهر وما فيه وحق الأناجيل الأربعة التي نقلها متى ومرقس ولوقا ويوحنا وحق صلواتهم وتقديساتهم وحق التلامذة الاثني عشر والاثنين وسبعين والثلثمائة وثمانية عشر المجتمعين للبيعة وحق الصوت الذي نزل من السماء على نهر الأردن فزجره وحق الله منزل الإنجيل على عيسى بن مريم روح الله وكلمته وحق السيدة مارية أم النور ومارية مريم ويوحنا المعمودي ومرتان ومرتماني وحق الصوم الكبير وحق ديني ومعبودي وما أعتقده من النصرانية وما تلقيته عن الآباء والآقساء المعمودية - إنني من وقتي هذا وساعتي هذه قد أخلصت نيتي وأصفيت طويتي في الوفاء للسلطان الملك المنصور ولولده الملك الصالح ولأولادهما بجميع ما تضمنته هذه الهدنة المباركة التي انعقد الصلح عليها على مملكة عكا وصيدا وعثليث وبلادها الداخلة في هذه الهدنة المسماة فيها التي مدتها عشر سنين كوامل وعشرة أشهر وعشرة أيام وعشر ساعات أولها يوم الخميس ثالث حزيران سنة ألف وخمسمائة وأربع وتسعين للإسكندر بن فيلبس اليوناني وأعمل بجميع شروطها شرطاً شرطاً وألتزم الوفاء بكل فصل في هذه الهدنة المذكورة إلى انقضاء مدتها‏.‏

وإنني والله والله وحق المسيح وحق الصليب وحق ديني لا أتعرض إلى بلاد السلطان وولده ولا إلى من حوته وتحويه من سائر الناس أجمعين ولا إلى من يتردد منهم إلى البلاد الداخلة في هذه الهدنة بأذية ولا ضرر في نفس ولا في مال‏.‏

وإنني والله وحق ديني ومعبودي أسلك في المعاهدة والمهادنة والمصافاة والمصادقة وحفظ الرعية الإسلامية المترددين في البلاد السلطانية والصادرين منها وإليها - طريق المعاهدين المتصادقين الملتزمين كف الأذية والعدوان عن النفوس والموال وألزم الوفاء بجميع شروط هذه الهدنة إلى انقضائها ما دام الملك المنصور وافياً باليمين التي حلف بها على الهدنة ولا أنقض هذه اليمين ولا شيئاً منها ولا استثني فيها ولا في شيء منها طلباً لنقضها ومتى خالفتها ونقضتها فأكون بريئاً من ديني واعتقادي ومعبودي وأكون مخالفاً للكنيسة ويكون علي الحج إلى القدس الشريف ثلاثين حجة حافياً حاسراً ويكون علي فك ألف أسير مسلم من أسر الفرنج وإطلاقهم وأكون بريئاً من اللاهوت الحال في الناسوت واليمين يميني وأنا فلان والنية فيها بأسرها نية الملك المنصور ونية ولوده الملك الصالح ونية مستحلفي لهما بها على الإنجيل الكريم لا نية لي غيرها والله والمسيح على ما نقول وكيل‏.‏

وكذلك كتبت اليمينان من جهة السلطان الملك الظاهر بيبرس ويمين صاحب بيروت وحصن الأكراد والمرقب من الفرنج الاستبارية في شهر رمضان سنة خمس وستين وستمائة‏.‏

قلت‏:‏ ومقتضى ما ذكره ابن المكرم في إيراد هذه الأيمان أن نسخة اليمين تكون منفصلة عن نسخة الهدنة كما في غيرها من الأيمان التي يستحلف عليها إلا أن مقتضى كلام ‏"‏ مواد البيان ‏"‏‏:‏ أن اليمين تكون متصلة بالهدنة‏.‏

والذي يتجه أنه إن تيسر الحلف عقب الهدنة - لوجود المتحالفين - كتب في نفس الهدنة متصلاً بها وإلا أفرد كل واحد من الجانبين بنسخة يمين كما في غيرها من الأيمان‏.‏

وربما جردت الهدنة عن الأيمان كما وقع في الهدنة الجارية بين الظاهر بيبرس وبين دون حاكم الريدأرغون صاحب برشلونة من بلاد الأندلس في شهر رمضان سنة سبع وستين وستمائة على مقتضى ما أورده ابن المكرم في تذكرته‏.‏

واعلم أنه قد يكتفى باليمين عن الهدنة باليمين في عقد الصلح‏.‏

وقد ذكر القاضي تفي الدين ابن ناظر الجيش في ‏"‏ التثقيف ‏"‏‏:‏ أنه رتب يميناً حلف عليها الفرنج بالأبواب السلطانية بالديار المصرية عند عقد الصلح معهم في سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة فيها زيادات على ما ذكره المقر الشهابي بن فضل الله في ‏"‏ التعريف ‏"‏ وهي‏:‏ والله والله والله العظيم إله إبراهيم مالك الكل خالق ما يرى وما لا يرى صانع كل شيء ومتقنه الرب الذي لا يعبد سواه وحق المسيح وحق المسيح وحق المسيح وأمه السيدة مريم وحق الصليب وحق الصليب وحق الصليب وحق الإنجيل وحق الإنجيل وحق الإنجيل وحق الأب والابن وروح القدس إله واحد من جوهر واحد وحق اللاهوت المكرم الحال في الناسوت المعظم وحق الأناجيل الأربعة التي نقلها متى ومرقس ولوقا ويوحنا وحق اللاهوت والناسوت وصليب الصلبوت وحق التلاميذ الاثني عشر والاثنين وسبعين والثلثمائة وثمانية عشر المجتمعين على البيعة وحق الصوت الذي نزل على نهر الأردن فزجره وحق السيدة مارية أم النور وحق بيعة وقديس وثالوث وما يقوله في صلاته كل معمداني وحق ما أعتقده من دين النصرانية والملة المسيحية - إنني أفعل كذا وكذا ومتى خالفت هذه اليمين التي في عنقي أو نقضتها أو نكثتها أو سعيت في إبطالها بوجه من الوجوه أو طريق من الطرق - برئت من المعمودية وقلت‏:‏ إن ماءها نجس وإن القرابين رجس وبرئت من مريحنا المعمدان والأناجيل الأربعة وقلت‏:‏ إن متى كذوب وإن مريم المجدلانية باطلة الدعوى في إخبارها عن السيد اليسوع المسيح وقلت في السيدة مريم قول اليهود ودنت بدينهم في الجحود وبرئت من الثالوث وجحدت الأب وكذبت الابن وكفرت بروح القدس وخلعت دين النصرانية ولزمت دين الحنيفية ولطخت الهيكل بحيضة يهودية ورفضت مريم وقلت‏:‏ إنها قرنت مع الأسخريوطي في جهنم وأنكرت اتحاد اللاهوت والناسوت وكذبت ممن مال على قسطنطين بن هيلاني وتعمدت أمه بالعظائم وخالفت المجامع التي اجتمعت عليها الأساقف برومية والقسطنطينية وجحدت مذهب الملكانية وسفهت رأي الرهبان وأنكرت وقوع الصلب على السيد اليسوع وكنت مع اليهود حين صلبوه وحدت عن الحواريين واستبحت دماء الديرانيين وجذبت رداء الكبرياء عن البطريك وخرجت عن طاعة الباب وصمت يوم الفصح الأكبر وقعدت عن أهل الشعانين وأبيت عيد الصليب والغطاس ولم أحفل بعيد السيدة وأكلت لحم الجمل ودنت بدين اليهود وأبحت حرمة الطلاق وهدمت بيدي كنيسة قمامة وخنت المسيح في وديعته وتزوجت في قرن بامرأتين وقلت‏:‏ إن المسيح كآدم خلقه الله من تراب وكفرت بإحياء العيازرة ومجيء الفارقليط الآخر وبرئت من التلامذة الاثني عشر وحرم علي الثلمائة وثمانية عشر وكسرت الصلبان ودست برجلي القربان وبصقت في وجوه الرهبان عند قولهم‏:‏ كير اليصون واعتقدت أن نعسه كفر الجون وأن يوسف النجار زنى بأم اليسوع وعهر وعطلت الناقوس وملت إلى ملة المجوس وكسرت صليب الصلبوت وطبخت به لحم الجمل وأكلته في أول يوم من الصوم الكبير تحت الهيكل بحضرة الآباء وقلت في البنوة مقال نسطورس ووجهت إلى الصخرة وجهي وصديت عن الشرق المنير حيث كان المظهر الكريم وإلا برئت من النورانيين والشعشعانيين وأنكرت أن السيد اليسوع أحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص وقلت‏:‏ إنه مربوب وإنه ما رؤي وهو مصلوب وأنكرت أن القربان المقدس على المذبح ما صار لحم المسيح ودمه حقيقة وأنكرت أن القربان المقدس على المذبح ما صار لحم المسيح ودمه حقيقة وخرجت في النصرانية عن لا حب الطريقة وإلا قلت بدين التوحيد وتعبدت غير الأرباب وقصدت بالمظانيات غير طريق الإخلاص وقلت‏:‏ إن المعاد غير روحاني وإن بني المعمودية لا تسيح في فسيح السماء وأثبت وجود الحور العين في المعاد وأن في الدار الآخرة التلذذات الجسمانية وخرجت خروج الشعرة من العجين من دين النصرانية وأكون من ديني محروماً وأقول‏:‏ إن جرجيس لم يقتل مظلوماً وخرقت غفارة الرب وشاركت الشرير في سلب ثيابه وأحدثت تحت صليبه وتجمرت بخشبته وصفعت الجاثليق‏.‏

وهذه اليمين يميني وأنا فلان والنية فيها بأسرها نية مولانا السلطان الملك الأشرف ناصر الدنيا والدين ‏"‏ شعبان ‏"‏ ونية مستحلفي والإله والمسيح على ما أقوله وكيل‏.‏

قلت‏:‏ خلط في هذه اليمين بعض اليعاقبة الخارجة عن معتقد الفرنج الذين حلفهم من مذهب الملكانية يظهر ذلك من النظر فيما تقدم من معتقدات النصرانية قبل ترتيب أيمانهم‏.‏

على أنه قد أتى فيها بأكثر ما رتبه المقر الشهابي بن فضل الله في تحليفهم على صداقته وزاد من اليمين المرتبة في التحليف على الهدنة السابقة وغيرها‏.‏

اليمين الثانية - مما أهمله في ‏"‏ التعريف ‏"‏ يمين أمير مكة‏.‏

والقاعدة فيها أن يحلف على طاعة السلطان والقيام في خدمة أمير الركب والوصية بالحجاج والاحتفاظ بهم‏.‏

وهذه نسخة يمين حلف بها الأمير نجم الدين أبو نمي أمير مكة المشرفة في الدولة المنصورية قلاوون الصالحي في شعبان سنة إحدى وثمانين وستمائة‏.‏

ونسختها على ما ذكره ابن المكرم في تذكرته بعد استيفاء الأقسام‏:‏ إني أخلصت نيتي وأصفيت طويتي وساويت بين باطني وظاهري في طاعة مولانا السلطان الملك المنصور وولده السلطان الملك الصالح وطاعة أولادهما وارثي ملكهما لا أضمر لهم سوءاً ولا غدراً في نفس ولا ملك ولا سلطنة‏.‏

وإنني عدو لمن عاداهم صديق لمن صادقهم حرب لمن حاربهم سلم لمن سالمهم‏.‏

وإنني لا يخرجني عن طاعتهما طاعة أحد غيرهما ولا أتلفت في ذلك إلى جهة غير جهتهما ولا أفعل أمراً مخالفاً لما استقر من هذا الأمر ولا أشرك في تحكمهما علي ولا على مكة المشرفة وحرمها وموقف جبلها زيداً ولا عمراً‏.‏

وإنني ألتزم ما اشترطته لمولانا السلطان ولولده في أمر الكسوة الشريفة المنصورية الواصلة من مصر المحروسة وتعليقها على الكعبة الشريفة في كل موسم وأن لا يعلوها كسوة غيرها وأن أقدم علمه المنصور على كل علم في كل موسم وأن لا يتقدمه علم غيره وإنني أسهل زيارة البيت الحرام أيام مواسم الحج وغيرها للزائرين والطائفين والبادين والعاكفين والآمين لحرمه والحاجين والواقفين‏.‏

وإنني أجتهد في حراستهم من كل عاد بفعله وقوله ومتخطف للناس من حوله‏.‏

وإنني أؤمنهم في سربهم وأعذب لهم مناهل شربهم وإنني والله أستمر بتفرد الخطبة والسكة بالاسم الشريف المنصوري وأفعل في الخدمة فعل المخلص الولي وإنني والله والله أمتثل مراسيمه امتثال النائب للمستنيب وأكون لداعي أمره أول سامع مجيب‏.‏

وإنني ألتزم بشروط هذه اليمين من أولها إلى آخرها لا المهيع الخامس في صورة كتابة نسخ الأيمان التي يحلف بها وقد جرت العادة أنه إذا استقر ملك في الملك يحلف له جميع الأمراء والنواب في المملكة وإذا استقر نائب من النواب في نيابة حلف ذلك النائب عند استقراره وربما اقتضت الحال التحليف في غير هذه الأوقات‏.‏

ثم الأيمان التي يحلف بها على ضربين‏:‏ الضرب الأول الأيمان التي يحلف بها الأمراء بالديار المصرية وقد جرت العادة أن كتاب ديوان الإنشاء يجتمع من يجتمع منهم بالقلعة ويتصدى كل واد منهم لتحلف جماعة من الأمراء والمماليك السلطانية وغيرهم وينصب المصحف الشريف على كرسي أمام الحالفين ويحلف كل كاتب من كتاب الإنشاء من يحلفه تجاه المصحف بألفاظ اليمين المتقدمة الذكر على الوجه الذي يرسم تحليفهم عليه ويكتب كل واحد من أولئك الكتاب أسماء الذين حلفهم في ورقة ويؤرخها ويحملها إلى ديوان الإنشاء فتخلد فيه‏.‏

الضرب الثاني الأيمان التي يحلف بها نواب السلطنة والأمراء بالممالك الشامية وما انضم إليها‏:‏ وقد جرت العادة أنه إذا أريد تحليف نائب من نواب الممالك الخارجة عن الحضرة بالديار المصرية أو أمير من أمرائها أن تكتب نسخة يمين من ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية وتجهز إلى النائب أو الأمير الذي يقصد تحليفه فيحلف على حكمها متلفظاً بألفاظها جميعها‏.‏

قال في ‏"‏ التثقيف ‏"‏‏:‏ وصفة ما يكتب في النسخة بعد البسملة من يمين الورق ‏"‏ أقول وأنا ‏"‏‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

ثم يخلي بياضاً قليلاً بقدر أصبعين لموضع كتابة الحالف اسمه ثم يكتب تحته من يمين الورق بهامش دقيق جداً ‏"‏ والله والله والله ‏"‏ وتكمل تتمة النسخة على ما تقدم ذكره‏.‏

وتكون سطورها متلاصقة سطراً إلى سطر إلى عند قوله ‏"‏ وهذه اليمين يميني وأنا ‏"‏‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

فيخلي بعد ذلك بياضاً قليلاً لموضع كتابة اسم الحالف أيضاً ثم يكتب من يمين الورق‏:‏ ‏"‏ والنية في هذه اليمين بأسرها ‏"‏ إلى قلت‏:‏ وكذلك نسخ الأيمان التي تكتب ليحلف بها في الهدن التي تفرد الأيمان فيها عن الهدن يخلى فيها بياض لكتابة الاسم بعد قوله ‏"‏ أقول وأنا‏:‏‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

وبعد قوله ‏"‏ وهذه اليمين يميني وأنا ‏"‏‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

سواء في ذلك اليمين التي يحلف بها السلطان أو الملك الذي تقع معه المهادنة‏:‏ من ملوك الإسلام أو ملوك الكفر‏.‏

وق جرت العادة أن يكون الورق الذي تكتب فيه نسخ الأيمان التي يحلف بها النواب وغيرهم من الأمراء الخارجين عن الحضرة في قطع العادة‏.‏

أما ما يحلف به على الهدن فلم أقف فيه على مقدار قطع الورق‏.‏

والذي يظهر أن كل يمين تكون في قطع الورق الذي يكاتب بها ذلك الملك الذي يحلف‏.‏